يثير تخصيص 12 مليون دولار لمشاريع البنية التحتية في شمال إدلب جدلا واسعا، لا سيما في أوساط المهجّرين والنازحين من جنوب المحافظة وشرقها.

ويرى هؤلاء أن تركيز المشاريع على مناطق مستقرة نسبيا مثل إدلب وسرمدا والدانا شمال إدلب يُهَمِّش المناطق المنكوبة، إذ تعاني مدن مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وجبل الزاوية في جنوب المحافظة من دمار واسع وغياب شبه تام للخدمات الأساسية، مما يجعل العودة إليها بالغة الصعوبة.

ويعتبر نازحون أن هذا التوزيع غير المتوازن يكشف عن خلل واضح في التخطيط التنموي، ويزيد من اتساع الفجوة بين المناطق المستقرة والمناطق المتضررة بفعل الحرب.

تركز المشاريع الجارية في شمال إدلب على تسوية الطرق وتأهيل البنية التحتية، في حين تُستثنى المناطق التي تعرضت لأعنف موجات القصف، والتي تبقى خارج خارطة الإعمار حتى اللحظة.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه تصريحات محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، أن عودة المهجرين تمثل أولوية قصوى، وتشير إلى جهود تُبذل لإعادة تفعيل المؤسسات وترميم البنى التحتية في المناطق المحررة حديثا، فإن غياب الدعم المالي الرسمي يحدّ من فاعلية هذه المساعي، إذ تعتمد المحافظة بشكل رئيس على المنظمات الإنسانية والتكافل المجتمعي. وبينما تتصاعد الانتقادات بشأن تركّز المشاريع في مدينة إدلب، يصرّ المحافظ على أن المشاريع شاملة ولا تقتصر على مركز المحافظة.

مناطق منكوبة خارج خارطة الإعمار

تعاني مناطق جنوب إدلب وشرقها، مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وجبل الزاوية، من دمار شامل نتيجة سنوات الحرب، إذ تنتشر الألغام فيها بشكل واسع، والمنازل مهددة بالانهيار، والخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي معدومة، مما يجعل هذه المناطق غير صالحة للسكن.

كما أن الطرقات المدمرة وتراكم الأنقاض يزيدان من تعقيد العودة، ويبقيان آلاف المهجرين في المخيمات، وسط غياب أي أمل ملموس. هذا الواقع يعمق الشعور بالتهميش، ويستدعي تدخلات عاجلة لإعادة تأهيل تلك المناطق.

أيهم العبد الله، المهجر من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، عبّر عن قلقه من مخاطر العودة في ظل استمرار وجود الألغام ومخلفات القصف. وقال في حديثه للجزيرة نت إن هذه المناطق “غير صالحة للسكن البشري؛ فالمنازل مدمرة ومهددة بالسقوط، ولا توجد أي بنية تحتية من مشافٍ أو مدارس أو شبكات مياه وكهرباء”. وأضاف أن الطرقات ما تزال مغلقة بسبب الأنقاض، محمّلا الحكومة السورية كامل المسؤولية عن سلامة من يقرر العودة، وداعيا المهجرين إلى الامتناع عن العودة في ظل هذا الإهمال. وطالب المتضررين برفع دعاوى قضائية ضد الدولة لتعويضهم عن خسائرهم، مؤكدا أن “العودة يجب أن تكون كريمة وتليق بتضحياتنا، لا مجرد عودة إلى الخراب”.

رد رسمي وجهود محلية محدودة التمويل

ورغم هذه التحديات، تؤكد إدارة محافظة إدلب أنها تبذل جهودا حثيثة لإعادة تأهيل المناطق المنكوبة بالتعاون مع منظمات إنسانية. وتتوزع المشاريع على مجالات متعددة، تشمل ترميم المدارس، ومحطات المياه، وشبكات الصرف الصحي، والمراكز الطبية، بالإضافة إلى إزالة الأنقاض وتحسين البنية التحتية بشكل تدريجي. ويقول محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، للجزيرة نت، إن عودة المهجرين إلى بلداتهم باتت تمثل أولوية ملحة على جدول أعمال المحافظة، رغم غياب التمويل الحكومي الرسمي. وأوضح أنه بدأ فور تولّيه المنصب العمل على إعادة تفعيل المؤسسات والخدمات الأساسية، لا سيما في المناطق المحررة حديثا مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وسراقب، وريف إدلب الجنوبي، حيث تم تفعيل العديد من المديريات التي توقفت عن العمل بسبب النزوح والدمار.

وأضاف عبد الرحمن أن “المحافظة أنشأت عشرات المخافر والمراكز الأمنية لإعادة الاستقرار في تلك المناطق”. وأشار إلى أنه تم تفعيل 190 مدرسة، ورُمّمت 100 منها حتى الآن، مع وجود خطط لترميم المزيد منها قبل بداية العام الدراسي الجديد، كما أُطلقت مشاريع لترميم 4 آلاف منزل في المناطق المحررة.

وفي القطاع الصحي، أوضح أن 53 مركزا طبيا ومستشفى قد أُعيد تشغيلها خلال الأشهر الخمسة الماضية في مدن كمعرة النعمان، وخان شيخون، وأريحا، وسراقب، وجبل الزاوية، بالتوازي مع حملات رفع الأنقاض لإعادة تدويرها وتحسين الطرق لاحقا.

وعن الانتقادات الموجهة بخصوص تركيز المشاريع في مدينة إدلب، أوضح عبد الرحمن أن “المشروع ممول من منظمة دولية ضمن خطة تشمل المدينة والمناطق المحررة. فطرقات إدلب متهالكة منذ أكثر من 40 عاما، وهي مركز المحافظة الذي يضم عددا كبيرا من النازحين”. وشدد على أن المشاريع لا تقتصر على إدلب، بل تشمل أيضا سراقب، والمعرة، وخان شيخون، وغيرها من المناطق. كما بيّن أن “المحافظة لا تمتلك موازنات تشغيلية، وتعتمد بشكل شبه كلي على الدعم الإنساني والتكافل المجتمعي”، مؤكدا أن كل مشروع يُنفّذ بعد موافقة الجهات المانحة ووفقا لأولوياتها.

وأكد أن العمل يسير بشفافية وبالتنسيق مع المجتمع المحلي، مشيدا بدور الصناديق الخدمية والمبادرات الشعبية. وفي مجال المياه والصرف الصحي، أشار إلى أن من أبرز المشاريع محطة “اللج” التي تغذي 5 محطات في جبل الزاوية، بتكلفة بلغت 3.5 ملايين دولار، بالإضافة إلى حفر آبار في معرة النعمان وخان شيخون.

وبخصوص حادثة وفاة شاب نتيجة سقوطه في فتحة صرف صحي مكشوفة في بلدة حيش، أكد المحافظ أن الحادثة قيد المتابعة العاجلة، وبدأت على إثرها حملات مجتمعية لتأمين الأغطية بالتعاون مع منظمات إنسانية.

نازحون: الوتيرة لا ترتقي لحجم الدمار

ورغم هذه الجهود، يشعر كثير من المهجرين بأن وتيرة العمل لا ترتقي إلى حجم الدمار في مناطقهم، في ظل قلق متزايد من تحوّل النزوح إلى حالة دائمة.

ويرى نازحون أن تركيز المشاريع على مناطق شمال إدلب قد يكون مبررا من الناحية التنفيذية، نظرا لسهولة العمل فيها باعتبارها مناطق آمنة نسبيا، إلا أن ذلك يُفاقم الشعور بالإقصاء لدى سكان المناطق الأكثر تضررا. فانتشار الألغام وغياب الخدمات الأساسية يحولان دون عودة المهجرين إلى ديارهم، مما يعمّق حالة النزوح القسري ويعيق تحقيق استقرار طويل الأمد.

مدينة إدلب الجزيرة نت

في معرة النعمان، تروي لينا محمود، وهي نازحة منذ 5 سنوات، شعورها بخيبة الأمل نتيجة بطء وتيرة التعافي. تقول: “كنا نأمل أن نعود يوما إلى بيوتنا، لكن اليوم لا شيء يشجع على العودة. منزلنا مدمر بالكامل، لا ماء ولا كهرباء، والشوارع مملوءة بالأنقاض”. وتضيف: “نسمع عن مشاريع في شمال إدلب، لكن ماذا عنا؟ كأننا منسيون. الأطفال يعانون في المخيمات، والمدارس في قريتنا لا تزال مجرد أطلال”.

ورغم التصريحات والجهود المعلنة، تبقى المناطق المنكوبة في حاجة ماسة إلى تدخلات عاجلة لإزالة الألغام، وترميم المنازل، وإعادة تأهيل البنية التحتية. ويطالب المهجرون بتوزيع عادل للمشاريع يراعي مستوى الأضرار الفعلية، ويشترط شفافية في تخصيص التمويل. ومن دون حلول شاملة، سيبقى حلم العودة الكريمة بعيد المنال، وتظل آمال آلاف العائلات معلقة على وعود لم تتحقق بعد.

وفي جبل الزاوية، حيث الكثافة السكانية والدمار يتجاوران، يسعى أحمد الخالد، أحد المهجرين، إلى لفت الأنظار إلى الغياب شبه التام للمشاريع التنموية. يقول: “كل يوم نسمع عن مشاريع في إدلب أو سرمدا، لكن في جبل الزاوية لا شيء يُذكر. بيتي دُمر، والمنطقة مملوءة بالألغام. حاولت العودة مرة، لكن لم أجد حتى طريقا سالكا للوصول إلى القرية. كيف يمكننا العيش هكذا؟ الحكومة تتحدث عن عودة المهجرين، لكن من دون بنية تحتية، هذا مجرد كلام فارغ”.

ومن خان شيخون، تسرد خديجة الصالح التحديات اليومية التي تواجهها كامرأة وأم، وتقول للجزيرة نت إن “أطفالي محرومون من التعليم لأن المدارس مدمرة، وإذا مرض أحدهم أضطر إلى السفر لساعات إلى إدلب. نسمع عن ملايين الدولارات التي تُصرف على مشاريع، لكن أين هي من مناطقنا؟ نريد عودة كريمة، لا أن نبقى في خيام المخيمات إلى الأبد”.

شاركها.
اترك تعليقاً