يشهد العالم ارتفاعًا غير مسبوق في عدد المليارديرات، مع اتساع الفجوة بين الأثرياء وتزايد الثروات الموروثة. هذا التحول الكبير في الثروة، المدفوع بأسعار الأسهم المرتفعة وتقييمات شركات التكنولوجيا، يثير تساؤلات حول مستقبل الثروة وتوزيعها. وفقًا لدراسة حديثة أجرتها مجموعة “يو بي إس” السويسرية، بلغ عدد المليارديرات حول العالم حوالي 2900 شخص، يسيطرون على ثروة إجمالية تقارب 15.8 تريليون دولار.

ارتفاع قياسي في عدد المليارديرات عالميًا

تُظهر بيانات “يو بي إس” ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأفراد الذين ينضمون إلى نادي المليارديرات، حيث زاد العدد من حوالي 2700 ملياردير قبل عام واحد فقط. هذا النمو ليس فقط نتيجة لنجاح رواد الأعمال الجدد، بل أيضًا بسبب تزايد الثروات الموروثة. يشير التقرير إلى أن عام 2025 شهد انتقال ثروات أكبر عبر الميراث مقارنة بأي عام سابق منذ بدء التسجيل في عام 2015.

تأثير الميراث على الثروة العالمية

خلال الأشهر الـ 12 الماضية، أصبح 91 شخصًا من أصحاب المليارات أثرياء من خلال الميراث، وحصلوا إجمالاً على 298 مليار دولار. هذا يمثل زيادة بأكثر من الثلث مقارنة بعام 2024. وتقدر “يو بي إس” أن ما لا يقل عن 5.9 تريليونات دولار سينتقل إلى أبناء المليارديرات على مدى السنوات الـ 15 المقبلة. الولايات المتحدة تتصدر القائمة من حيث حجم هذه المواريث المتوقعة، تليها الهند وفرنسا وألمانيا وسويسرا.

“التحول الكبير في الثروة” يتجسد

يرى جون ماثيوز، رئيس إدارة الثروات الخاصة في “يو بي إس” بالولايات المتحدة، أن العالم يشهد “تسارعًا في نمو عدد المليارديرات”، وأن هذا التسارع “يأتي من كل الاتجاهات”، سواء من رواد الأعمال الجدد أو من الثروات الموروثة. هذا ما يُعرف بـ “التحول الكبير في الثروة”، وهو مصطلح استخدمه الخبراء منذ أكثر من عقد لوصف انتقال الثروة بين الأجيال. ويضيف ماثيوز أننا ما زلنا في المراحل الأولى من هذه العملية، وأن الجزء الأكبر من انتقال الثروات لم يحدث بعد.

صناعة الثروة الجديدة: ريادة الأعمال والابتكار

لم يقتصر نمو عدد المليارديرات على الثروات الموروثة فقط، بل شهدنا أيضًا ظهور مليارديرات جدد من قطاعات متنوعة. من بين هؤلاء بن لام، مؤسس شركة “كولوسال بايوساينسز” في مجال التقنيات الحيوية المتقدمة، وميشيل دوريل، الشريك المؤسس لشركة الاستثمار في البنية التحتية “ستون بيك بارتنرز”، والأخوين تشانغ مالكي سلسلة “ميشو آيس كريم آند تي” في الصين، بالإضافة إلى جاستن سون، ملياردير العملات المشفرة. هذا التنوع في مصادر الثروة يعكس ديناميكية الاقتصاد العالمي وقدرته على توليد فرص جديدة.

تغير في خريطة الاستثمار العالمية

تُظهر المقابلات التي أجرتها “يو بي إس” مع 87 من المليارديرات تراجع جاذبية أمريكا الشمالية كأفضل مكان للاستثمار على المدى القصير، من 81% قبل عام واحد إلى 63% حاليًا. في المقابل، ازدادت جاذبية الاستثمار في مناطق أخرى مثل أوروبا الغربية والصين وآسيا والمحيط الهادي. يعكس هذا التحول رغبة الأثرياء في تنويع استثماراتهم وتقليل اعتمادهم على السوق الأمريكية، وذلك على خلفية التقلبات السياسية والتوترات التجارية. الاستثمار العالمي أصبح أكثر أهمية في ظل هذه الظروف.

مخاطر وتحديات تواجه الأثرياء

تختلف المخاوف التي تشغل بال المليارديرات باختلاف مناطقهم. في آسيا، تعتبر الرسوم الجمرية والتصعيد في حروب التجارة أكبر مصدر للقلق. أما في الولايات المتحدة، فيركز المليارديرات على مخاطر التضخم والتوترات الجيوسياسية. هذه المخاطر المتنوعة تتطلب استراتيجيات استثمارية حذرة ومرنة. إدارة المخاطر أصبحت ضرورة ملحة للحفاظ على الثروة في ظل هذه الظروف.

الخلاصة: مستقبل الثروة في عالم متغير

يشهد العالم تحولًا كبيرًا في توزيع الثروة، مع ارتفاع عدد المليارديرات وتزايد أهمية الثروات الموروثة. هذا التحول يترافق مع تغير في خريطة الاستثمار العالمية وزيادة المخاطر والتحديات التي تواجه الأثرياء. فهم هذه الديناميكيات أمر ضروري لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة وضمان مستقبل مستدام للثروة. هل سيستمر هذا الاتجاه التصاعدي في عدد المليارديرات؟ وما هي التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذا التحول؟ هذه أسئلة تتطلب المزيد من البحث والتحليل.

شاركها.
اترك تعليقاً