تسببت جائحة كوفيد-19 في اضطرابات عالمية، ولم يقتصر تأثيرها على الصحة العامة فحسب، بل امتد ليشمل الاقتصاد والمالية العامة للدول. في بريطانيا، كشفت أرقام حديثة عن حجم الاحتيال على دعم كوفيد-19 الذي بلغ مستويات قياسية، مما يثير تساؤلات حول فعالية الإجراءات الرقابية المتخذة خلال فترة الجائحة. هذا المقال يتناول تفاصيل هذا الاحتيال، أسبابه، ومحاولات استرداد الأموال المفقودة، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على ذلك.

حجم خسائر الاحتيال على دعم كوفيد-19 في بريطانيا

أظهر تقرير مستقل، أُعدّ بتكليف من الحكومة البريطانية، أن تكلفة الاحتيال على دعم كوفيد-19 وصلت إلى 10.9 مليارات جنيه إسترليني (ما يعادل 14.42 مليار دولار). هذا المبلغ الضخم يعكس التحديات الهائلة التي واجهتها الحكومة في إدارة الموارد المالية المخصصة لمواجهة الجائحة. وأشار التقرير إلى أن الاستجابة الحكومية السريعة، والتي تضمنت إنفاقًا عامًا ضخمًا، فتحت الباب أمام عمليات احتيال واسعة النطاق.

تفاصيل الإنفاق الأكثر عرضة للاحتيال

ركز الاحتيال بشكل خاص على نوعين رئيسيين من الإنفاق الحكومي: طلبات معدات الوقاية الشخصية (PPE) مثل الكمامات والقفازات والأردية، وبرامج الدعم الموجهة للشركات الصغيرة والمتوسطة. ففيما يتعلق بمعدات الوقاية الشخصية، أدى الضغط الهائل على سلاسل التوريد إلى صعوبة التحقق من صحة الطلبات وجودة المنتجات. أما بالنسبة لدعم الشركات، فقد اعتمدت العديد من المنح والقروض على “التصديق الذاتي” من قبل الشركات المتقدمة، مع وجود فحص محدود للتحقق من استحقاقها.

أسباب تفشي الاحتيال خلال الجائحة

يعزو مفوض مكافحة الاحتيال المتعلق بكوفيد-19، توم هايهو، تفشي الاحتيال إلى عدة عوامل رئيسية. أولاً، السرعة التي تحركت بها الحكومة للاستجابة للأزمة، مما أدى إلى إهمال بعض الإجراءات الوقائية الضرورية. ثانياً، عدم استعداد العديد من الهيئات العامة للتعامل مع حجم الإنفاق الهائل المطلوب. ثالثاً، الاعتماد المفرط على التصديق الذاتي في منح الدعم المالي، مما سهل على المحتالين تقديم طلبات كاذبة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت حالة الطوارئ العامة والارتباك السائد في إضعاف الرقابة وتسهيل عمليات الاحتيال. الفساد المالي و استغلال الأزمة كانا من العوامل الرئيسية أيضاً.

جهود استرداد الأموال المفقودة

على الرغم من حجم الخسائر الكبير، تمكنت الحكومة البريطانية من استرداد 1.8 مليار جنيه إسترليني من الأموال التي تم الاحتيال عليها. ومع ذلك، يقر هايهو بأن “جزءًا كبيرًا” من المبلغ المتبقي أصبح “غير قابل للاسترداد الآن”. هذا يشير إلى أن جهود استرداد الأموال تواجه صعوبات كبيرة، وأن العديد من المحتالين تمكنوا من الإفلات من العقاب. وتشمل التحديات التي تواجه عملية الاسترداد تعقيد التحقيقات، وصعوبة تتبع الأموال المسروقة، والقيود القانونية التي تحول دون مقاضاة المحتالين.

الدروس المستفادة وتوصيات للمستقبل

يكشف هذا التقرير عن أهمية الاستعداد المسبق للأزمات، وضرورة وجود آليات رقابة فعالة لمنع الاحتيال. كما يشدد على أهمية التحقق الدقيق من هوية المستفيدين من الدعم الحكومي، وتجنب الاعتماد المفرط على التصديق الذاتي. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومات الاستثمار في تطوير قدرات موظفيها في مجال مكافحة الاحتيال، وتوفير الأدوات والتقنيات اللازمة لهم. إدارة المخاطر ووضع خطط طوارئ شاملة يجب أن تكون على رأس أولويات الحكومات في المستقبل.

تعزيز الشفافية والمساءلة

من الضروري أيضًا تعزيز الشفافية والمساءلة في الإنفاق الحكومي، من خلال نشر معلومات مفصلة عن كيفية تخصيص الأموال، ومن هم المستفيدون منها. كما يجب على الحكومات إنشاء آليات فعالة لتلقي الشكاوى والإبلاغ عن حالات الاحتيال، وضمان حماية المبلغين عن المخالفات. الرقابة الحكومية و دورها في حماية المال العام يجب أن يكون أكثر فعالية.

الآثار المترتبة على الاحتيال

بالإضافة إلى الخسائر المالية المباشرة، فإن الاحتيال على دعم كوفيد-19 له آثار سلبية أخرى على المجتمع البريطاني. فهو يقوض الثقة في الحكومة والمؤسسات العامة، ويؤدي إلى شعور بالإحباط والغضب بين المواطنين الذين يدفعون الضرائب. كما أنه يضر بالاقتصاد، حيث يتم تحويل الأموال المخصصة للخدمات العامة إلى جيوب المحتالين. تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا سجلت واحدة من أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بالجائحة في أوروبا، حيث فقدت أرواح حوالي 226 ألف شخص، مما يزيد من حساسية الموضوع وأهمية محاسبة المسؤولين عن الاحتيال.

في الختام، يمثل الاحتيال على دعم كوفيد-19 في بريطانيا قضية خطيرة تتطلب معالجة شاملة. يجب على الحكومة اتخاذ خطوات فورية لاسترداد الأموال المفقودة، وتعزيز الرقابة والشفافية، وتطبيق عقوبات رادعة على المحتالين. كما يجب عليها الاستفادة من الدروس المستفادة من هذه الأزمة، والاستعداد بشكل أفضل لمواجهة التحديات المستقبلية. ندعو القراء إلى مشاركة هذا المقال لزيادة الوعي بهذه القضية الهامة، والمساهمة في الضغط على الحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

شاركها.
اترك تعليقاً