هل ننتظر صرخة القلب أم نصغي لندباته الخفية؟ هذا ما يكشفه أحدث الأبحاث. غالبًا ما ننتظر ظهور أعراض حادة لكي نهتم بصحة قلوبنا، ولكن ماذا لو كان بإمكاننا تجنب الوصول إلى هذه المرحلة؟ تقرير نشرته مجلة لوبوان الفرنسية، يستند إلى أبحاث البروفيسور نيكولاس جيرارد، طبيب القلب المتخصص في قصور القلب وطب القلب الوقائي، يسلط الضوء على المفاهيم الخاطئة الشائعة حول صحة القلب ويكشف عن الإشارات الخفية التي قد تنذر بالخطر. هذا التقرير يقدم نظرة شاملة حول كيفية تأثير عاداتنا اليومية على هذا العضو الحيوي، وكيف يمكننا حمايته بشكل استباقي.
أهمية الاستماع إلى القلب قبل الألم
عادةً ما نربط مشاكل القلب بالألم المفاجئ في الصدر أو ضيق التنفس. لكن البروفيسور جيرارد يؤكد أن القلب يرسل إشارات مبكرة، غالبًا ما نتجاهلها، قبل أن يصل الأمر إلى مرحلة الطوارئ. التركيز على الوقاية والاستماع إلى هذه الإشارات الخفية هو المفتاح للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية. فبدلاً من انتظار “صرخة” القلب، يجب أن نتعلم كيف نفهم “ندباته” المبكرة.
قلة النوم: خطر يهدد صحة القلب
نعلم جميعًا أهمية النوم، ولكن هل ندرك مدى تأثيره على صحة القلب؟ أظهرت الدراسات أن الحصول على أقل من ست ساعات من النوم ليلاً، أو النوم بجودة رديئة، يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض القلب. تشمل هذه الأمراض ارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية.
تحليل لـ 13 دراسة أظهر أن أعراض الأرق مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أو الوفاة بسببها بنسبة 50% تقريبًا. هذا ليس مجرد صدفة؛ فالنوم الجيد يساعد على تنظيم الجهاز العصبي، واستقلاب الكربوهيدرات، وتقليل الالتهابات المزمنة. بالإضافة إلى ذلك، قلة النوم غالبًا ما تؤدي إلى زيادة الوزن، حيث يميل الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كاف من النوم إلى تناول المزيد من الطعام، خاصةً الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات. توصي جمعية القلب الأمريكية بـ 7 ساعات على الأقل من النوم للحفاظ على صحة القلب.
الخمول البدني: عدو صامت لصحة القلب
قد يبدو الأمر بديهيًا أن ممارسة الرياضة مفيدة للقلب، ولكن ما قد لا نعرفه هو أن نمط الحياة الخامل يشكل خطرًا كبيرًا بحد ذاته، حتى لو كنا نمارس الرياضة بانتظام. الجلوس لفترات طويلة يقلل من حساسية الأنسولين، ويغير استقلاب الدهون، ويعزز الالتهابات المزمنة، ويزيد من ضغط البطن.
دراسة نشرت في مجلة لانسيت عام 2016، شملت أكثر من مليون شخص، أظهرت أن خطر الوفاة يزداد بعد 4 ساعات فقط من الجلوس يوميًا. لذا، فإن الحل ليس فقط ممارسة الرياضة، بل أيضًا تقليل فترات الجلوس الطويلة من خلال الحركة المنتظمة على مدار اليوم، مثل فترات الراحة النشطة، والمشي القصير، والنهوض من الكرسي بشكل متكرر.
السمنة: ليست مجرد مشكلة في الوزن
الوزن ليس المقياس الوحيد لصحة القلب. فالشخص الذي يتمتع بكتلة عضلية أكبر يكون أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب من الشخص الذي لديه كتلة عضلية أقل، حتى لو كان حجم الجسم هو نفسه. كما أن توزيع الدهون مهم؛ فالدهون الحشوية (التي تتراكم حول الأعضاء الداخلية) أكثر ضررًا للقلب من الدهون الموجودة تحت الجلد.
حتى الأشخاص الذين يتمتعون بوزن طبيعي قد يكونون عرضة للخطر إذا كانوا يتناولون الأطعمة المصنعة الغنية بالملح والسكر والدهون المشبعة، ويعيشون نمط حياة قليل الحركة. هذا النمط، وإن لم يكن سمنة بالمعنى الدقيق، إلا أنه غير مفيد من الناحية الأيضية.
الملح: خطر خفي على القلب
قد يبدو الأمر مفاجئًا، ولكن الملح يمكن أن يضر بالقلب حتى لدى الأشخاص الذين لا يعانون من ارتفاع ضغط الدم. تظهر الدراسات أن الملح يسبب تصلب الشرايين، وتضخم البطين الأيسر، وتفاقم خلل وظائف بطانة الأوعية الدموية.
يمارس الصوديوم ضغطًا خفيًا على القلب قبل ظهور ارتفاع ضغط الدم. توصي منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز 5 غرامات من الملح يوميًا، ولكن متوسط الاستهلاك في العديد من البلدان يتجاوز هذا الحد بكثير. معظم الملح الذي نتناوله يأتي من الأطعمة المصنعة، مثل الخبز، واللحوم المصنعة، والأجبان، والوجبات الجاهزة.
ارتفاع ضغط الدم: القاتل الصامت
يُعرف ارتفاع ضغط الدم بـ “القاتل الصامت” لأنه غالبًا ما يكون بدون أعراض. يمكن أن يتطور لسنوات دون أي علامات ملحوظة، إلى أن تحدث حالة خطيرة مثل السكتة الدماغية أو النوبة القلبية. لذا، من الضروري مراقبة ضغط الدم بانتظام، حتى في غياب الأعراض. توصي الإرشادات الحالية بالمراقبة الدورية كل 3 سنوات قبل سن الأربعين، ثم سنويًا بعد ذلك.
الإجهاد: عدو خفي آخر لصحة القلب
الإجهاد المزمن هو أيضًا “عدو خفي” للقلب. يؤدي إلى فرط نشاط الجهاز العصبي الودي، وارتفاع مستويات الكورتيزول والأدرينالين، والالتهابات المزمنة، واضطرابات النوم، وارتفاع ضغط الدم. كما يشجع الإجهاد على عادات ضارة مثل التدخين، واتباع نظام غذائي غير متوازن، وقلة النشاط البدني.
الخلاصة: الوقاية خير من العلاج
الحفاظ على صحة القلب يتطلب اتباع نهج استباقي. من خلال الاهتمام بنوعية النوم، وزيادة النشاط البدني، والحفاظ على وزن صحي، وتقليل استهلاك الملح، وإدارة الإجهاد، يمكننا حماية قلوبنا من الأمراض والعيش حياة أطول وأكثر صحة. لا تنتظروا حتى تصرخ قلوبكم؛ استمعوا إليها الآن وابدأوا في اتخاذ خطوات إيجابية نحو صحة أفضل. استشر طبيبك بانتظام لإجراء الفحوصات اللازمة والحصول على المشورة المناسبة.















