في عالمنا المعاصر، أصبحنا محاطين بمواد كيميائية متنوعة، بعضها يثير قلقًا متزايدًا بسبب تأثيراته الصحية والبيئية. من بين هذه المواد، تبرز المواد الكيميائية الأبدية (PFAS) كتهديد خفي يتغلغل في حياتنا اليومية، بدءًا من مياه الشرب وصولًا إلى الأطعمة التي نتناولها. هذا المقال يسلط الضوء على هذه المواد الخطيرة، مصادرها، أضرارها المحتملة، وكيف يمكننا الحد من تعرضنا لها.
ما هي المواد الكيميائية الأبدية (PFAS)؟
المواد الكيميائية الأبدية، أو مركبات PFAS (Per- and Polyfluoroalkyl Substances)، هي مجموعة تضم أكثر من 10,000 مادة كيميائية صناعية. تتميز هذه المواد بثباتها الاستثنائي، حيث تستغرق مئات السنين، بل وحتى آلاف السنين، حتى تتحلل في البيئة. هذا الثبات ناتج عن تركيبها الكيميائي الفريد، الذي يتكون من سلسلة من ذرات الكربون المرتبطة بالفلور، مما يجعلها مقاومة للحرارة والماء والزيوت والشحوم.
تم استخدام هذه المواد لأول مرة في الأربعينيات من القرن الماضي، وسرعان ما وجدت طريقها إلى العديد من المنتجات الاستهلاكية والصناعية. تعتبر قدرتها على مقاومة التلطخ والماء والدهون ميزة جذابة، مما جعلها مكونًا أساسيًا في العديد من التطبيقات.
انتشار المواد الكيميائية الأبدية في حياتنا اليومية
تكمن خطورة المواد الكيميائية الأبدية في انتشارها الواسع. فهي ليست محصورة في منتجات معينة، بل توجد في كل مكان تقريبًا حولنا. تشمل بعض المصادر الشائعة لهذه المواد:
- أواني الطهي غير اللاصقة: غالبًا ما تحتوي الطلاءات المستخدمة في هذه الأواني على PFAS.
- عبوات المواد الغذائية: تستخدم في تغليف الأطعمة، مثل أكواب المشروبات الجاهزة وصناديق البيتزا، لمنع تسرب السوائل والزيوت.
- الأقمشة المقاومة للماء: تستخدم في معالجة الملابس والأحذية والسجاد لجعلها مقاومة للماء والبقع.
- منتجات التنظيف: توجد في بعض المنظفات ومواد التلميع.
- رغوات إطفاء الحرائق: تستخدم في مكافحة حرائق السوائل القابلة للاشتعال.
- مياه الشرب: أظهرت الدراسات وجود PFAS في مياه الشرب في العديد من المناطق حول العالم.
أظهرت الأبحاث الحديثة مدى انتشار هذه المواد. على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت في المملكة المتحدة عام 2024 أن 95% من الفراولة تحتوي على المواد الكيميائية الأبدية. وكشفت دراسة أخرى أجريت عام 2025 في أوروبا أن حوالي 4 من كل 5 منتجات من الحلويات والمعكرونة والمخبوزات والدقيق تحتوي على مواد سامة تعطل عمل الهرمونات.
المخاطر الصحية المرتبطة بالتعرض للمواد الكيميائية الأبدية
على الرغم من فوائدها الصناعية، فإن التعرض للمواد الكيميائية الأبدية، حتى بمستويات منخفضة على مدار فترة طويلة، يرتبط بمجموعة من المخاطر الصحية الخطيرة. تشمل هذه المخاطر:
- تلف الكبد: يمكن أن يؤدي التعرض لـ PFAS إلى تلف خلايا الكبد.
- ارتفاع نسبة الكوليسترول: قد تساهم هذه المواد في ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.
- ضعف الاستجابة المناعية: يمكن أن تثبط PFAS وظيفة الجهاز المناعي، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى.
- انخفاض وزن المواليد عند الولادة: قد يؤثر التعرض لهذه المواد أثناء الحمل على وزن الطفل عند الولادة.
- أنواع عديدة من السرطان: تشير الدراسات إلى وجود صلة بين التعرض لـ PFAS وزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، مثل سرطان الكلى وسرطان الخصية.
كيف نقلل من تعرضنا للمواد الكيميائية الأبدية؟
على الرغم من أن تجنب المواد الكيميائية الأبدية بشكل كامل قد يكون أمرًا صعبًا نظرًا لانتشارها الواسع، إلا أن هناك بعض الخطوات التي يمكننا اتخاذها لتقليل تعرضنا لها:
- البحث عن منتجات “خالية من المواد الكيميائية الأبدية” أو “خالية من الفلوروكربونات”: ابحث عن هذه العلامات على المنتجات التي تشتريها.
- استخدام بدائل: اختر بدائل للمنتجات التي تحتوي على PFAS، مثل أواني الطهي المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ أو الزجاج.
- تجنب عبوات الورق ذات الاستعمال الواحد: استخدم أكوابًا وأطباقًا قابلة لإعادة الاستخدام بدلاً من تلك المصنوعة من الورق المعالج بـ PFAS.
- استخدام تطبيقات مسح المنتجات: يمكن أن تساعدك هذه التطبيقات في تحديد ما إذا كان المنتج يحتوي على PFAS.
- فلترة مياه الشرب: استخدم مرشحات مياه عالية الجودة لإزالة PFAS من مياه الشرب.
مستقبل التعامل مع المواد الكيميائية الأبدية
يتطلب التعامل مع مشكلة المواد الكيميائية الأبدية جهودًا متضافرة من الحكومات والشركات والمستهلكين. يجب على الحكومات وضع قوانين ولوائح صارمة للحد من استخدام هذه المواد وتنظيم التخلص منها. يجب على الشركات تطوير بدائل آمنة ومستدامة. ويجب على المستهلكين أن يكونوا على دراية بالمخاطر وأن يتخذوا خيارات مستنيرة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم بشكل كامل تأثيرات هذه المواد على صحة الإنسان والبيئة، وتطوير تقنيات فعالة لإزالتها من البيئة. إن معالجة هذه المشكلة المعقدة تتطلب التزامًا طويل الأمد بالابتكار والتعاون.
في الختام، تمثل المواد الكيميائية الأبدية تحديًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا. من خلال زيادة الوعي واتخاذ خطوات استباقية، يمكننا حماية أنفسنا وعائلاتنا والبيئة من هذه المواد الخطيرة. شارك هذا المقال مع الآخرين للمساهمة في نشر الوعي حول هذه القضية الهامة.














