تحدث أكثر من لغة، حماية للدماغ والجسم: دراسة جديدة تكشف أسرار الشيخوخة الصحية
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن إتقان لغات متعددة ليس مجرد مهارة لغوية، بل هو استثمار في صحة الدماغ والجسم على المدى الطويل. فقد كشفت دراسة حديثة أن التعدد اللغوي يمكن أن يبطئ العمليات البيولوجية للشيخوخة، ويساهم في الحفاظ على وظائف الدماغ وتعزيز الصحة العامة. هذه النتائج المذهلة تفتح آفاقًا جديدة لفهم دور العوامل البيئية والاجتماعية في عملية الشيخوخة.
فوائد التعدد اللغوي للصحة: ما الذي كشفته الدراسة؟
أجريت الدراسة من قبل باحثين من كلية ترينيتي في دبلن، أيرلندا، ونشرت نتائجها في مجلة Nature Aging في العاشر من نوفمبر الحالي. اعتمدت الدراسة على تحليل بيانات شاملة من 86,149 مشاركًا من مختلف أنحاء أوروبا. وقد أظهرت النتائج أن الأفراد الذين يتحدثون أكثر من لغة واحدة يمرون بعملية شيخوخة سلوكية حيوية أبطأ مقارنة بنظرائهم الذين يتحدثون لغة واحدة فقط.
مؤشر فجوات العمر السلوكية الحيوية: مقياس جديد للشيخوخة
استخدم الباحثون مؤشرًا مبتكرًا يسمى “فجوة العمر السلوكية الحيوية” لتقييم عملية الشيخوخة. هذا المؤشر يقيس الفرق بين العمر المتوقع والعمر الفعلي للشخص، مما يشير إلى ما إذا كان الشخص يبدو أصغر سنًا وأكثر صحة، أو يعاني من شيخوخة متسارعة.
تم تحديد هذه الفجوات كميًا باستخدام نماذج ذكاء اصطناعي متطورة، تم تدريبها على آلاف الملفات الصحية والسلوكية. تعتمد هذه النماذج على إطار عمل “ساعة الشيخوخة السلوكية الحيوية”، الذي يقيّم العمر البيولوجي للشخص بناءً على عوامل مثل الحالة الجسدية (ارتفاع ضغط الدم، السكري، مشاكل النوم، فقدان الحس) وعوامل الحماية (التعليم، الإدراك، القدرة الوظيفية، النشاط البدني).
كيف يحمي التعدد اللغوي من الشيخوخة المتسارعة؟
أظهرت الدراسة أن الأفراد الذين يعيشون في بلدان يتحدث فيها الناس عادةً لغة إضافية واحدة على الأقل كانوا أقل عرضة بنسبة 2.17 مرة لتجربة شيخوخة متسارعة. في المقابل، كان متحدثو اللغة الواحدة أكثر عرضة بمرتين لإظهار أنماط الشيخوخة المبكرة.
هذا يشير إلى أن تعلم لغة جديدة ليس مجرد إضافة إلى المعرفة، بل هو تدخل وقائي فعال ضد التدهور المرتبط بالشيخوخة. الدكتورة لوسيا أموروسو، المؤلفة المشاركة في الدراسة، أوضحت أن التأثير الوقائي للتعدد اللغوي تراكمي، بمعنى أن كلما زاد عدد اللغات التي يتحدثها الشخص، زادت حمايته من التدهور المرتبط بالشيخوخة.
الآثار المجتمعية للتعدد اللغوي والشيخوخة الصحية
بالإضافة إلى الفوائد الفردية، سلط الدكتور هيرنان هيرنانديز، المؤلف المشارك من معهد صحة الدماغ في أمريكا اللاتينية، الضوء على الآثار المجتمعية الهامة لهذه النتائج. وأكد أن التعدد اللغوي يمثل أداة سهلة المنال ومنخفضة التكلفة لتعزيز الشيخوخة الصحية بين الناس، ويمكن أن يكمل عوامل أخرى قابلة للتعديل مثل الإبداع والتعليم.
الارتباط بين التعدد اللغوي والوظائف الإدراكية
تشير الأبحاث السابقة إلى أن التعدد اللغوي يعزز الوظائف الإدراكية مثل الذاكرة والانتباه وحل المشكلات. هذا التحسين في الوظائف الإدراكية قد يساهم في تأخير ظهور أعراض الأمراض العصبية التنكسية مثل مرض الزهايمر. بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد إتقان لغات متعددة في بناء احتياطي إدراكي، وهو القدرة على التعويض عن التغيرات المرتبطة بالعمر في الدماغ.
الخلاصة: استثمار في صحة الدماغ والشيخوخة الصحية
تؤكد هذه الدراسة الجديدة على أهمية التعدد اللغوي كعامل وقائي ضد الشيخوخة المتسارعة وتعزيز الصحة العامة. إن تعلم لغة جديدة ليس مجرد إضافة إلى المهارات الشخصية، بل هو استثمار في صحة الدماغ والجسم على المدى الطويل. تشجع هذه النتائج على تبني سياسات وبرامج تعزز تعلم اللغات وتشجع على التعدد اللغوي في المجتمعات. هل أنت مستعد لبدء رحلتك نحو الشيخوخة الصحية من خلال تعلم لغة جديدة؟ شاركنا أفكارك وتجاربك في قسم التعليقات أدناه! لا تتردد في مشاركة هذا المقال مع أصدقائك وعائلتك لنشر الوعي حول فوائد التعدد اللغوي.















