لا يزال سرطان المعدة أحد التحديات الصحية الكبرى في شرق آسيا، وخاصة في دول مثل كوريا واليابان والصين، حيث يمثل عبئًا ثقيلاً على الأنظمة الصحية. على الرغم من شيوعه، إلا أنه غالبًا ما يتم تجاهله مقارنةً بسرطان القولون والمستقيم الأكثر انتشارًا في الغرب. هذا النقص في الاهتمام أدى إلى الاعتماد على نماذج بحثية مستقاة من دراسات سرطان القولون والمستقيم، والتي قد لا تكون دائمًا فعالة في فهم أو علاج سرطان المعدة.
فهم التحديات الفريدة لسرطان المعدة
تكمن إحدى أكبر المشكلات في فهم الآليات الأولية التي تؤدي إلى تطور سرطان المعدة. كيف تتمكن الخلايا السرطانية في مراحلها المبكرة من البقاء والنمو والتكاثر في بيئة يفترض ألا تسمح بذلك؟ في الظروف الطبيعية، تعتمد الخلايا المبطنة للمعدة على إشارات دقيقة من البيئة المحيطة بها – المعروفة بالبيئة الدقيقة – لتنظيم نموها وانقسامها وموتها. فقدان هذه الاعتمادية هو سمة أساسية للسرطان، ولكن الطريقة التي يحدث بها هذا الفقد في سرطان المعدة كانت لغزًا لفترة طويلة.
اكتشاف آلية جديدة للاكتفاء الذاتي للخلايا السرطانية
تمكن فريق بحثي دولي بقيادة الدكتور لي جي هيون والدكتور كو بون كيونغ والدكتور لي هيتاك من مركز هندسة الجينوم التابع لمعهد العلوم الأساسية في كوريا الجنوبية، بالتعاون مع باحثين من ألمانيا، من كشف آلية جديدة تمامًا تتيح لخلايا سرطان المعدة في مراحله المبكرة تحقيق الاكتفاء الذاتي. هذا الاكتشاف يقدم إطارًا جديدًا لفهم كيفية بدء المرض، ويفتح الباب أمام تحديد أهداف علاجية محتملة.
دور إشارات دبليو إن تي (WNT) في سرطان المعدة
تعتبر إشارات دبليو إن تي (WNT) ضرورية للحفاظ على التوازن في البطانة الداخلية للمعدة. في الأنسجة السليمة، توفر الخلايا المتخصصة هذه الإشارات، مما يسمح لخلايا المعدة بالنمو والانقسام فقط عند الحاجة. ولكن في سرطان المعدة، لا تنتظر الخلايا السرطانية هذه الإشارات الخارجية، بل تبدأ في إنتاجها بنفسها.
تفعيل مسار MAPK كعامل محفز
اكتشف الباحثون أن تفعيل مسار إشارات رئيسي آخر، وهو مسار MAPK، هو الذي يحفز هذا التحول. عادةً ما يساعد مسار MAPK الخلايا على الاستجابة لإشارات النمو والإجهاد. في سرطان المعدة، غالبًا ما يتم تفعيل هذا المسار بسبب طفرات في جينات معينة، موجودة لدى حوالي ثلث المرضى.
عندما يتم تفعيل مسار MAPK، تبدأ الخلايا السرطانية في إنتاج جزيء دبليو إن تي (WNT) محدد، وهو WNT7b. هذا الإنتاج يخلق حلقة ذاتية الاستدامة: فالخلايا تزود نفسها بإشارة النمو، وتفعل مسار دبليو إن تي (WNT) داخليًا، وتستمر في التكاثر حتى في غياب الدعم النسيجي الطبيعي.
أهمية هذا الاكتشاف وآفاق العلاج المستقبلية
“إن هذا تغيير جوهري في سلوك هذه الخلايا، إذ تصبح مستقلة فعليًا عن بيئتها في مرحلة مبكرة جدًا”، هذا ما أكدته الدكتورة لي جي هيون. هذا الاكتشاف مهم بشكل خاص لأنه يختلف عن الآلية المعروفة في سرطان القولون والمستقيم، حيث يتم تفعيل مسار دبليو إن تي (WNT) بشكل دائم بسبب طفرات جينية.
تم التحقق من هذه النتائج أولاً باستخدام نماذج فئران معدلة وراثيًا، ثم في عضيات مشتقة من مرضى سرطان المعدة. هذه العضيات، وهي أورام مصغرة ثلاثية الأبعاد تنمو من أنسجة سرطانية بشرية، تحاكي بدقة بنية الأورام الحقيقية وسلوكها، مما يجعلها أداة قوية للبحث.
الوقاية وعوامل الخطر لسرطان المعدة
سرطان المعدة هو مرض خطير، ولكن هناك خطوات يمكن اتخاذها لتقليل خطر الإصابة به. تشمل عوامل الخطر الرئيسية:
- تناول الأطعمة المدخنة والمملحة والمخللات.
- التدخين.
- العدوى ببكتيريا الملوية البوابية (هليكوباكتير بايلوري).
- التاريخ العائلي للإصابة بالمرض.
- اتباع نظام غذائي فقير بالخضروات والفواكه.
الخلاصة
يمثل اكتشاف الآلية الجديدة التي تسمح لخلايا سرطان المعدة بالاستقلالية خطوة مهمة إلى الأمام في فهم هذا المرض المعقد. من خلال تحديد نقاط الضعف الفريدة في هذه الخلايا، يمكن للباحثين تطوير علاجات أكثر فعالية تستهدف هذه الآلية، مما يوفر أملًا جديدًا للمرضى. يستمر فريق البحث في استكشاف استراتيجيات لتعطيل هذه الإشارات بشكل انتقائي، مع الحفاظ على صحة أنسجة المعدة السليمة، مما يمهد الطريق لعلاجات مستقبلية أكثر دقة وفعالية. الوعي بعوامل الخطر واتباع نمط حياة صحي يلعبان أيضًا دورًا حاسمًا في الوقاية من سرطان المعدة.
المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية + يوريك ألرت















