في خضم مأساة غزة المستمرة، تتشابك قصص الألم والصمود والأمل المحطم. تحلم حنين المبحوح، وهي شابة جالسة على كرسيها المتحرك، بإعادة بناء حياة فقدتها، بحلم الأمومة مجدداً واحتضان طفل جديد، وبتحدي المستحيل واستعادة القدرة على المشي. لكنها تقول، في مرارة، إنه مع فقدان ساقها في غارة إسرائيلية، توقفت حياتها في غزة فعلياً. هذه ليست قصة فردية، بل هي جزء من واقع مروع يواجهه آلاف الفلسطينيين الذين عانوا من إصابات خطيرة، بما في ذلك بتر الأطراف، نتيجة الحرب الدائرة في غزة.

الدمار والعدد المتزايد من حالات البتر في غزة

في يوليو/تموز من العام الماضي، دمرت غارة جوية إسرائيلية منزل عائلة المبحوح في وسط قطاع غزة، أثناء نومهم. لم ينجُ من تلك الليلة سوى حنين وزوجها الذي أصيب بحروق خطيرة. لكن الثمن كان فادحاً: فقدت حنين جميع بناتها الأربع، بما في ذلك طفلتها الرضيعة التي لم تتجاوز 5 أشهر من عمرها. سُحقت ساقا حنين تحت الركام، واضطر الأطباء إلى بتر الساق اليمنى فوق الركبة.

هذه الحادثة المروعة ليست استثناءً. فخلال الأشهر الأخيرة، ومع استمرار القصف الإسرائيلي، ارتفعت أعداد المصابين الذين يحتاجون إلى عمليات بتر بشكل مأساوي. وكشفت منظمة الصحة العالمية عن أرقام صادمة تشير إلى أن ما بين 5 آلاف و6 آلاف شخص فقدوا أطرافهم بسبب الحرب، وأن 25% منهم أطفال. هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية في غزة، وتوضح مدى الحاجة الماسة إلى المساعدة الطبية العاجلة.

عقبات تواجه توفير الأطراف الاصطناعية والخدمات الطبية اللازمة

حتى خلال فترة وقف إطلاق النار التي بدأت منذ شهرين، يواجه الفلسطينيون صعوبات جمة في الحصول على المساعدات اللازمة. الأوضاع تزداد سوءًا مع النقص الحاد في الأطراف الاصطناعية التعويضية، والتأخيرات الطويلة في عمليات الإجلاء الطبي من غزة. هذه التأخيرات تعني أن العديد من المصابين يضطرون للعيش مع ألم دائم وإعاقة تزداد سوءًا مع مرور الوقت.

تقول منظمة الصحة العالمية إن شحنة من إمدادات الأطراف الاصطناعية الأساسية دخلت قطاع غزة مؤخراً، لكن هذه الشحنة تعتبر أول شحنة كبيرة منذ عامين. وحسب لؤي أبو سيف، رئيس برنامج الإعاقة في منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين، ونيفين الغصين، المديرة بالإنابة لمركز الأطراف الاصطناعية وشلل الأطفال في غزة، فإن إسرائيل لم تسمح بدخول أي أطراف اصطناعية جاهزة أو مواد لتصنيعها منذ بدء الحرب.

وبالرغم من الطلبات المتكررة، لم تتلق “كوجات”، الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات، أي توجيهات واضحة بشأن عدد الإمدادات التي دخلت غزة أو سياساتها المتعلقة بهذه الإمدادات.

قصص مأساوية تعكس الواقع المرير

حنين المبحوح تعبر عن إحباطها ويأسها قائلة: “كنت نائمة وطفلتي الرضيعة بين ذراعي عندما دمرت الغارة منزلنا في النصيرات. لعدة أسابيع، لم أكن أعرف أن ابنتي قد استشهدت. مستقبلي مشلول. لقد دمروا أحلامي.” إنها تحتاج إلى عمليات جراحية إضافية وعلاجات غير متوفرة في غزة لإعادة تأهيل ساقها المتبقية، لكنها عالقة هنا تنتظر تصريحاً بالإجلاء الطبي منذ 10 أشهر، دون أي أمل في الحصول عليه.

ياسين معروف، شاب يبلغ من العمر 23 عامًا، يرقد في خيمة في وسط غزة بعد أن بترت قدمه اليسرى. ساقه اليمنى متضررة بشدة وتحتاج إلى عمليات جراحية عاجلة لإنقاذها. لكنه يعيش في فقر مدقع ولا يستطيع تحمل تكاليف العلاج أو حتى مسكنات الألم. “إذا أردت الذهاب إلى الحمام، أحتاج إلى شخصين أو ثلاثة ليحملوني،” يقول بيأس.

محمد النجار، طالب جامعي يدرس تكنولوجيا المعلومات، فقد ساقه اليسرى في قصف قبل 7 أشهر. على الرغم من خضوعه لعدة عمليات جراحية وعلاج طبيعي، إلا أنه لا يزال غير قادر على الحركة. يحلم بالسفر إلى الخارج لتركيب طرف اصطناعي والعودة إلى الجامعة وإكمال دراسته، ليصبح “شخصاً طبيعياً مثل شباب غزة”.

الحاجة الماسة إلى حلول عاجلة والوضع الإنساني المتدهور

وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في أكتوبر/تشرين الأول، فإن حوالي 42 ألف فلسطيني تعرضوا لإصابات غيّرت مسار حياتهم بسبب الحرب، بما في ذلك حالات بتر الأطراف، وإصابات الدماغ، وإصابات الحبل الشوكي، وحروق شديدة. على الرغم من بعض التحسن الطفيف بعد وقف إطلاق النار، لا يزال هناك نقص حاد في المساعدات الطبية اللازمة.

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك حاجة عاجلة لفتح طرق جديدة للإجلاء الطبي، بما في ذلك إلى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، حيث توجد مستشفيات قادرة على استقبال المرضى. ولكن هناك عقبة أخرى تتمثل في عدم وجود دول مستعدة لاستضافة المرضى الذين يحتاجون إلى علاج في الخارج.

بالنسبة للمنتظرين، فإن الحياة تسير بخطى ثابتة نحو الأسوأ. إنهم بحاجة ماسة إلى المساعدة الطبية، إلى الأطراف الاصطناعية، وإلى الأمل في مستقبل أفضل. إن الوضع في غزة يطرح تساؤلات أخلاقية وإنسانية عميقة، ويستدعي تحركًا عاجلاً من المجتمع الدولي لإنقاذ حياة هؤلاء الأشخاص وإعادة بناء ما دمرته الحرب. لا يمكن تجاهل معاناتهم. يجب أن يكون إعادة التأهيل أولوية قصوى.

شاركها.
اترك تعليقاً