دراسة حديثة تكشف حقيقة حساسية الغلوتين: هل هو وهم أم مشكلة حقيقية؟

تعتبر حساسية الغلوتين موضوعًا يثير الكثير من الجدل والتساؤلات في السنوات الأخيرة، حيث يلجأ الكثيرون إلى اتباع حميات غذائية خالية من الغلوتين بهدف تحسين صحتهم. ولكن، دراسة حديثة صادمة كشفت أن هذه الحساسية قد لا تكون مرتبطة بالغلوتين نفسه، بل بآلية معقدة تتداخل فيها الأمعاء والدماغ. هذه النتائج من المتوقع أن تحدث ثورة في فهمنا وتشخيص وعلاج هذه الحالة، وتجنب القيود الغذائية غير الضرورية التي يفرضها الكثيرون على أنفسهم.

ما هي حساسية الغلوتين غير السيلياكية؟

العديد من الأشخاص يعانون من أعراض مزعجة بعد تناول الأطعمة التي تحتوي على الغلوتين، مثل الانتفاخ، وآلام الأمعاء، والتعب. ولكنهم لا يعانون من مرض السيلياك، وهو مرض مناعي ذاتي خطير يتضرر فيه الأمعاء الدقيقة بسبب الغلوتين. هذه الحالة تعرف باسم حساسية الغلوتين غير السيلياكية، وهي تختلف عن مرض السيلياك في أنها لا تسبب نفس الضرر المناعي. الغلوتين هو بروتين موجود بشكل طبيعي في القمح والشعير والجاودار، وهو ما يجعل تجنب هذه الحبوب تحديًا كبيرًا لمن يعتقدون أنهم يعانون من حساسية تجاهه.

نتائج الدراسة: الغلوتين ليس هو الجاني دائمًا

أجرى فريق بحثي من جامعة ملبورن الأسترالية دراسة شاملة، ونشرت نتائجها في مجلة ذا لانسيت المرموقة في أكتوبر الماضي. وقد أظهرت الدراسة أن معظم الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يعانون من حساسية الغلوتين لا يتفاعلون فعليًا مع الغلوتين نفسه.

صرحت الدكتورة جيسيكا بيزيكيرسكي، الباحثة الرئيسية في الدراسة، بأن هذه النتائج تقلب المفاهيم السائدة حول هذه الحالة. وأضافت: “تظهر نتائجنا أن الأعراض غالبًا ما تحفزها الكربوهيدرات القابلة للتخمير الموجودة في القمح، أو مكونات أخرى في القمح، أو حتى توقعات الناس وتجاربهم السابقة مع الطعام.”

دور الكربوهيدرات القابلة للتخمير (FODMAPs)

الكربوهيدرات القابلة للتخمير، والمعروفة اختصارًا بـ FODMAPs، هي مجموعة من السكريات التي يصعب هضمها في الأمعاء الدقيقة. هذا يمكن أن يؤدي إلى تخمرها بواسطة البكتيريا في الأمعاء الغليظة، مما يسبب الانتفاخ والغازات والألم. القمح يحتوي على كميات كبيرة من الفركتان، وهو نوع من FODMAPs، مما قد يفسر سبب شعور بعض الأشخاص بالأعراض بعد تناول الخبز والمعكرونة.

تأثير العوامل النفسية والتوقعات

بالإضافة إلى ذلك، وجدت الدراسة أن توقعات الناس وتجاربهم السابقة مع الطعام يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في الأعراض التي يعانون منها. ففي الدراسات الحديثة، تفاعل الأشخاص المصابون بمتلازمة القولون العصبي الذين يعتقدون أنهم يعانون من حساسية الغلوتين بشكل مشابه مع الغلوتين والقمح والدواء الوهمي. وهذا يشير إلى أن الاعتقاد بوجود حساسية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الأعراض.

إعادة تعريف حساسية الغلوتين: تفاعل الأمعاء والدماغ

تستنتج الدراسة أن حساسية الغلوتين غير السيلياكية يجب أن تُفهم كجزء من طيف التفاعل بين الأمعاء والدماغ، وهي أقرب إلى حالات مثل متلازمة القولون العصبي (IBS) وليست اضطرابًا مميزًا يتعلق بالغلوتين وحده. هذا يعني أن الأعراض التي يعاني منها الأشخاص قد تكون ناتجة عن مجموعة متنوعة من العوامل، وليس فقط عن الغلوتين.

الآثار المترتبة على الصحة العامة والعلاج

تؤكد الباحثة جيسيكا أن لهذه النتائج آثارًا كبيرة على الأفراد الذين يعالجون أعراضهم بأنفسهم، وعلى الأطباء الذين يصفون أنظمة غذائية مقيدة، وعلى صانعي السياسات الذين يشكلون رسائل الصحة العامة.

ملايين الأشخاص حول العالم يتجنبون الغلوتين اعتقادًا منهم أنه يضر بأمعائهم، وغالبًا ما يكون ذلك بعد ظهور أعراض حقيقية. ولكن، إذا لم يكن الغلوتين هو السبب الرئيسي للأعراض، فإن اتباع نظام غذائي مقيد قد يكون غير ضروري وقد يؤدي إلى نقص في بعض العناصر الغذائية الهامة.

نحو رعاية أكثر فعالية

الرعاية الفعالة للأشخاص الذين يعانون من أعراض مشابهة لـ حساسية الغلوتين يجب أن تجمع بين التعديلات الغذائية، مثل تقليل FODMAPs، والدعم النفسي، مع ضمان كفاية التغذية. يجب على الأطباء إجراء تقييم شامل للأعراض وتحديد العوامل التي تساهم فيها، بدلاً من مجرد وصف نظام غذائي خالي من الغلوتين بشكل تلقائي.

تأمل الدكتورة جيسيكا أن ترى رسائل الصحة العامة تبتعد عن الرواية القائلة بأن الغلوتين ضار بطبيعته، وأن تركز على أهمية اتباع نظام غذائي متوازن ومتنوع يلبي احتياجات كل فرد. فالتركيز على التغذية الشاملة والصحة النفسية قد يكون هو المفتاح لتحسين صحة ورفاهية الكثيرين.

شاركها.
اترك تعليقاً