في السنوات الأخيرة، شهدنا تطورًا هائلاً في مجال الذكاء الاصطناعي، وتغلغله في مختلف جوانب حياتنا. لم يعد الأمر مقتصرًا على التطبيقات الترفيهية أو المهام الروتينية، بل امتد ليشمل قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية. دراسة أمريكية حديثة تلقي الضوء على موقف الجمهور من استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي، وتحديدًا فيما يتعلق بأدوات مثل “شات جي بي تي” والكشف عن السرطان. هذه الدراسة، التي عُرضت في اجتماع جمعية تحليل المخاطر، تقدم رؤى قيمة حول الثقة، والفهم، والمخاوف المرتبطة بهذه التقنيات المتطورة.

نظرة عامة على الدراسة ومجالات التركيز

قادت الدراسة كل من الدكتورة باتريشيا سليبودا، عالمة النفس، والدكتور مايكل سوبوليف، عالم السلوك، والأستاذة المساعدة في كلية باروخ بجامعة مدينة نيويورك. ركزت الأبحاث على فهم وجهات نظر الجمهور حول الذكاء الاصطناعي في مجال الطب، مع التركيز بشكل خاص على تشخيص السرطان، الذي يعتبر من أكثر التطبيقات الواعدة والمؤثرة للذكاء الاصطناعي في هذا المجال.

استخدم الباحثون بيانات تم جمعها من خلال استبيانين وطنيين. هدف الاستبيان الأول إلى تقييم مدى استخدام الأفراد لأدوات الذكاء الاصطناعي مثل “شات جي بي تي” وثقتهم العامة في الذكاء الاصطناعي الطبي. بينما قدم الاستبيان الثاني سيناريو عمليًا، حيث تم تطوير نظام ذكاء اصطناعي لتحليل صور عنق الرحم للكشف عن علامات مبكرة للسرطان باستخدام تقنية التقييم البصري الآلي.

الثقة في الذكاء الاصطناعي مقابل الثقة في الأطباء

أظهرت نتائج الدراسة أن غالبية الناس لا يزالون يفضلون الأطباء البشريين على الذكاء الاصطناعي في التشخيص. فقط حوالي 17% من المشاركين أعربوا عن ثقتهم في الذكاء الاصطناعي بنفس القدر الذي يثقون به في الخبراء الطبيين. هذا يشير إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لبناء الثقة في قدرات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية.

ومع ذلك، لوحظ تحول ملحوظ في المواقف عندما يتعلق الأمر بتطبيقات محددة مثل الكشف عن السرطان. فقد أظهر المشاركون حماسًا أكبر وثقة أكبر في استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تشخيص السرطان، مقارنة بالتشخيصات الصحية العامة. هذا قد يعود إلى إدراكهم للإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات المعقدة واكتشاف الأنماط التي قد تفوت العين البشرية.

دور الخبرة الشخصية في تشكيل المواقف

أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين لديهم خبرة سابقة في استخدام الذكاء الاصطناعي، حتى لو كانت بسيطة مثل استخدام “شات جي بي تي”، يميلون إلى أن يكونوا أكثر إيجابية تجاه تطبيقه في الطب. فقد أفاد هؤلاء الأفراد بأنهم يفهمون التكنولوجيا بشكل أفضل، ويعربون عن حماس وثقة أكبر في استخدامها في الرعاية الصحية.

في الواقع، كشفت الدراسة أن 55.1% من المشاركين سمعوا عن “شات جي بي تي” لكنهم لم يستخدموه، بينما استخدمه 20.9% منهم. هذا يشير إلى أن مجرد الوعي بوجود هذه التقنيات يمكن أن يؤثر على تصورات الناس لها. كما تؤكد الدكتورة سليبودا على أن الإلمام بالتقنيات الجديدة، بشكل عام، يلعب دورًا كبيرًا في مدى تقبل الناس لها.

الأمل يتغلب على الخوف في الكشف عن السرطان

عندما علم المشاركون بوجود أداة ذكاء اصطناعي قادرة على المساعدة في الكشف عن العلامات المبكرة للسرطان، كان رد فعلهم في الغالب إيجابيًا. فقد اعتقد معظمهم أن هذه الأداة تتمتع بإمكانيات كبيرة، وأبدوا حماسًا أكبر من خوفهم. هذا يعكس الأمل الذي يرافق هذه التقنيات في تحسين فرص البقاء على قيد الحياة للمرضى.

يقول الدكتور سوبوليف أنهم فوجئوا بالفجوة بين الآراء العامة حول الذكاء الاصطناعي والمشاعر التي أظهرها المشاركون عند تقديم مثال واقعي. ويضيف أن التعرف على أمثلة محددة يمكن أن يساعد في بناء الثقة بين الناس والذكاء الاصطناعي في مجال الطب. هذا يسلط الضوء على أهمية التواصل الفعال وشرح فوائد الذكاء الاصطناعي بطريقة ملموسة وواقعية.

مستقبل الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية

تشير نتائج هذه الدراسة إلى أن هناك فرصة حقيقية لدمج الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، ولكن هذا يتطلب معالجة المخاوف المتعلقة بالثقة والفهم. من خلال توفير المزيد من المعلومات حول كيفية عمل هذه التقنيات، وعرض أمثلة واقعية لنجاحها، يمكننا مساعدة الناس على تقبل الذكاء الاصطناعي كأداة قيمة لتحسين صحتهم.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الأطباء، بل هو أداة يمكن أن تساعدهم في اتخاذ قرارات أفضل وأكثر دقة. التعاون بين الأطباء والذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تحسين كبير في جودة الرعاية الصحية وزيادة فرص الشفاء. إن تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي الطبية يجب أن يركز على تعزيز قدرات الأطباء وليس استبدالهم.

في الختام، تقدم هذه الدراسة رؤى قيمة حول موقف الجمهور من الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية. من خلال فهم هذه المواقف، يمكننا العمل على بناء الثقة وتعزيز التبني لهذه التقنيات الواعدة، مما سيؤدي في النهاية إلى تحسين صحة ورفاهية الجميع. شارك هذا المقال مع أصدقائك وعائلتك لزيادة الوعي حول هذا الموضوع الهام!

شاركها.
اترك تعليقاً