يشكل سوء التغذية لدى الحوامل والمرضعات في غزة تهديدًا خطيرًا ومتزايدًا على حياة المواليد الجدد، حيث حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من تداعيات كارثية لهذا الوضع الإنساني المتدهور. لم يعد الأمر مجرد نقص في الغذاء، بل أصبح خطرًا يهدد مستقبل جيل كامل، ويترك آثارًا صحية ونفسية عميقة على الأمهات وأطفالهن. هذا المقال يسلط الضوء على الأرقام المقلقة، الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة، والجهود المبذولة للتخفيف من آثارها.
الوضع المأساوي: ارتفاع مقلق في المواليد منخفضي الوزن
تشير بيانات يونيسيف إلى ارتفاع ملحوظ في عدد المواليد الذين يعانون من نقص الوزن في قطاع غزة. ففي عام 2022، كان حوالي 5% من المواليد، أي ما يقارب 250 طفلاً شهريًا، يولدون بوزن أقل من 2.5 كيلوغرام. ولكن، خلال الفصل الأول من عام 2025، ارتفعت هذه النسبة بشكل مثير للقلق لتصل إلى 10%، على الرغم من انخفاض العدد الإجمالي للولادات. هذا يعني أن عدد الأطفال الذين يولدون بوزن منخفض قد تضاعف، مما يزيد من خطر وفاتهم أو معاناتهم من مضاعفات صحية خطيرة.
تصف تيس إنغرام، المتحدثة باسم يونيسيف، المشهد المروع في مستشفيات غزة، حيث ترى أطفالًا يولدون بوزن أقل من كيلوغرام واحد يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة. هؤلاء الأطفال غالبًا ما يحتاجون إلى رعاية فائقة في غرف العناية المركزة، وهو ما يمثل ضغطًا هائلاً على النظام الصحي المتهالك في القطاع.
أسباب تفاقم أزمة سوء التغذية في غزة
لا يمكن اختزال أزمة سوء التغذية لدى الأمهات في غزة إلى عامل واحد، بل هي نتيجة لتضافر عدة عوامل متشابكة. أولاً، يعاني قطاع غزة من نقص حاد في الغذاء والموارد الأساسية، نتيجة للقيود المفروضة على حركة البضائع والأفراد. هذا النقص يؤثر بشكل مباشر على التغذية السليمة للأمهات الحوامل والمرضعات.
ثانيًا، يساهم الوضع النفسي المتردي للأمهات في تفاقم المشكلة. فالتعرض المستمر للعنف والصدمات النفسية يزيد من مستويات التوتر والقلق، مما يؤثر سلبًا على صحة الأم والجنين.
ثالثًا، ضعف الرعاية الصحية قبل الولادة يلعب دورًا هامًا في هذه الأزمة. عدم الحصول على فحوصات طبية منتظمة وتغذية مناسبة خلال فترة الحمل يزيد من خطر ولادة أطفال منخفضي الوزن.
وبحسب يونيسيف، فإن هذه العوامل الثلاثة – نقص التغذية، التوتر النفسي، وضعف الرعاية الصحية – تتواجد مجتمعة في غزة، مما يجعل الوضع أكثر خطورة. فقد أظهرت دراسة أجرتها المنظمة أن حوالي 38% من الحوامل اللواتي تم فحصهن بين شهري يوليو وسبتمبر من عام 2025 يعانين من سوء تغذية حاد.
تأثيرات مدمرة على المواليد الجدد وصحة الأمهات
إن تأثير سوء التغذية على الأطفال حديثي الولادة لا يقتصر على نقص الوزن عند الولادة، بل يمتد ليشمل مضاعفات صحية طويلة الأمد. فالأطفال الذين يولدون بوزن منخفض يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والالتهابات والأمراض المزمنة في مراحل لاحقة من حياتهم. كما أنهم قد يعانون من تأخر النمو والتطور العقلي والجسدي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سوء التغذية يؤثر بشكل كبير على صحة الأمهات. فالأمهات اللواتي يعانين من سوء التغذية يكونون أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات أثناء الحمل والولادة، مثل النزيف والعدوى والوفاة. كما أنهم قد يعانون من الإرهاق والاكتئاب والقلق.
تشير يونيسيف إلى أن عدد المواليد الذين يتوفون في اليوم الأول من الولادة قد ارتفع بنسبة 75% في قطاع غزة، من 27 طفلاً شهريًا في عام 2022 إلى 47 طفلاً شهريًا بين شهري يوليو وسبتمبر من عام 2025. هذا الارتفاع الصارخ يعكس مدى خطورة الوضع الإنساني في القطاع.
تضحيات الأمهات: الأولوية لأطفالها
تؤكد يونيسيف أن الأمهات في غزة غالبًا ما يضّحين بوجباتهن ليضمنّ حصول أطفالهن على الغذاء الكافي. هذا السلوك النبيل، ولكنه مأساوي، يعكس مدى اليأس والفقر الذي يعيشه السكان في القطاع. فالأمهات يفضلن أن يعانين من سوء التغذية بأنفسهن على أن يرين أطفالهن يعانون.
العقبات التي تواجه جهود المساعدة
تواجه جهود المساعدة الإنسانية في غزة العديد من العقبات، بما في ذلك القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على دخول المستلزمات الطبية الأساسية. تؤكد تيس إنغرام أن هذه القيود تعيق قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم الرعاية اللازمة للأمهات والأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الأمني المتدهور في القطاع يعيق وصول المساعدات إلى المحتاجين. فالاشتباكات المسلحة والقصف المستمر يجعل من الصعب على العاملين في المجال الإنساني الوصول إلى المناطق المتضررة وتقديم المساعدة.
الخلاصة: ضرورة التدخل العاجل
إن أزمة سوء التغذية في غزة تمثل تهديدًا وجوديًا للأطفال والأمهات. فالارتفاع المقلق في عدد المواليد منخفضي الوزن ووفيات الأطفال حديثي الولادة يتطلب تدخلًا عاجلاً وشاملاً. يجب على المجتمع الدولي الضغط على جميع الأطراف المعنية لرفع القيود المفروضة على حركة البضائع والأفراد، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية اللازمة إلى القطاع.
كما يجب على المنظمات الإنسانية تكثيف جهودها لتقديم الرعاية الصحية والتغذوية للأمهات والأطفال، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم. إن مستقبل جيل كامل يعتمد على قدرتنا على التصدي لهذه الأزمة الإنسانية المأساوية. شارك هذا المقال لزيادة الوعي حول هذا الموضوع الهام، وادعم المنظمات التي تعمل على تخفيف معاناة سكان غزة.















