عدّ رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الشورى الدكتور فهد التخيفي، الخطاب الملكي، الذي ألقاه ولي العهد في مجلس الشورى، وثيقة توجيهية عليا يستنير بها المجلس في عمله التشريعي والرقابي في دراسة مشروعات الأنظمة أو مراجعة التقارير السنوية، ومبدأ مؤسسياً، وتأكيداً لإسهامات المجلس في تطوير المنظومة التشريعية. وعدّ في حواره مع «عكاظ»، المجلس منبراً وطنياً يمثّل حلقة وصل بين القيادة والمجتمع، وهنا نص الحوار..
• ما دلالة الخطاب الملكي السنوي في مجلس الشورى وتزامنه مع افتتاح كل سنة شورية؟
•• يُعد الخطاب الملكي بمثابة الوثيقة التوجيهية العليا، التي يستنير بها المجلس في عمله التشريعي والرقابي على مدار السنة. ولو أخذنا الموضوع من أبعاد مختلفة، منها الرمزي والإستراتيجي، فالخطاب يعبّر عن وحدة الصف بين القيادة والشورى والمجتمع من مواطنين ومقيمين، ويرسم خريطة طريق وطنية تتوافق مع التحديات الدولية والمتغيرات الإقليمية. وافتتاح كل سنة شورية بخطاب ملكي يُرسّخ مبدأ العمل المؤسسي المنتظم، إذ يبدأ المجلس عامه الجديد بتوجيهات واضحة من القيادة، وهذه المناسبة السنوية تؤكد الدور المهم المناط بالمجلس، ذلك أن أثره وإسهاماته واضحة في تطوير المنظومة التشريعية وتحديثها لتكون المملكة في مصاف الدول المتقدمة تشريعياً. إضافة إلى أنه يحضر المناسبة ممثلون من مختلف شرائح المجتمع، ما يعكس نهج الشفافية والمشاركة، ويُبرز التواصل المباشر بين القيادة السياسية والمجتمع من خلال المؤسسة الشورية.
القضية الفلسطينية
• هل يحدّد الخطاب الملكي أولويات؟
•• الخطاب يعرض أهم ما تحقّق من إنجازات في العام الماضي، ويضع الإطار العام والمحددات للعام الجديد، ويرسم مسار السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ضمن إطار رؤية المملكة 2030. ويتضمّن مواقف المملكة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، ما يكشف للمجتمع وللمجلس منهج السياسة الخارجية، ومنها القضية الفلسطينية، إذ شدد الخطاب الملكي على إدانة استمرار الاعتداءات الغاشمة على الشعب الفلسطيني الشقيق، إضافة لما اتخذته المملكة من مواقف محورية في الشأن السوري، والأمل أن يتحقق الاستقرار في لبنان واليمن والسودان.
• بماذا يمكن وصف الخطاب الملكي في مجلس الشورى؟
•• نقطة انطلاق سنوية، توجّه السياسات العامة، وتحدد الأولويات الوطنية، وتعزز التلاحم بين القيادة والشعب، وتبرز مكانة المملكة محلياً ودولياً.
ركائز رئيسية
• ما مدى التناغم بين دور المجلس ومضامين الخطاب الملكي؟
•• يُعد مجلس الشورى إحدى الركائز الرئيسة في بنية النظام السياسي للمملكة، إذ أسهم في دعم مسيرة الدولة نحو التنمية الشاملة وتعزيز المشاركة المؤسسية في صناعة القرار، وعزّز المكانة الدستورية والتشريعية، إذ يقوم المجلس بدور مهم في صياغة الأنظمة ومراجعتها بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030، ويدرس مشروعات الأنظمة بما يواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي ترسمها القيادة الحكيمة، ويقوم بدور الرقابة البرلمانية على أداء الأجهزة الحكومية، ويمارس سلطته الرقابية عبر مناقشة تقارير الأداء السنوية للوزارات والهيئات الحكومية، ويرفع توصيات لمعالجة أوجه القصور وتحسين كفاءة الخدمات العامة، ما يعزّز مبدأ المساءلة والشفافية في العمل الحكومي، ويرسم السياسات الوطنية، من خلال دراسة اللجان المتخصصة للقضايا الوطنية الكبرى مثل التعليم، الصحة، الاقتصاد، البيئة، والطاقة، ودراسة التقارير السنوية لمختلف الجهات الحكومية، إضافة إلى مواءمة المنظومة التشريعية مع المستجدات العالمية لتلك القضايا. ويمثّل المملكة في المحافل البرلمانية الدولية والإقليمية، ما يعكس حضور المملكة في الحوار البرلماني العالمي، ويدعم السياسة الخارجية السعودية عبر تعزيز الدبلوماسية البرلمانية والتواصل مع البرلمانات النظيرة، وهو نموذج للمشاركة الوطنية وتعزيز الوحدة، يتيح للمواطن الإسهام في صنع القرار، ويضم نخبة من الكفاءات والخبرات من مختلف المجالات، ويعزز اللحمة الوطنية عبر نقل صوت المجتمع واقتراح الحلول للتحديات التنموية.
التحول الرقمي
• ما مدى انعكاس مضامين الخطاب الملكي السنوي على أعمال المجلس؟
•• حدّد الخطاب الملكي أولويات العمل التشريعي بما تضمنه من توجهات داخلية وخارجية، ويُترجم إلى جدول أعمال تشريعي داخل المجلس، فاللجان المتخصصة تسترشد بتوجيهات القيادة في إعداد تقاريرها ومناقشاتها، سواء في تطوير الأنظمة القائمة أو اقتراح أنظمة جديدة، ومن أمثلة ذلك، عندما أكد الخطاب التحول الرقمي أو الاستدامة، فإنه يُوجَّه المجلس لمراجعة الأنظمة ذات الصلة، ويعزز الدور الرقابي، ويلفت المجلس إلى الملفات التي تُعد أولوية وطنية، منها إبراز قضايا جودة الخدمات، أو دعم الاقتصاد، وينعكس ذلك في تركيز المجلس على مناقشة تقارير الوزارات المعنية بذلك وفق آلية أكثر عمقاً، ويرسم السياسات الوطنية المشتركة، بوضع الخطوط العريضة للسياسات العامة للدولة، والمجلس بدوره يُعيد صياغتها إلى توصيات عملية تُرفع للملك، وهذا التفاعل يجعل المجلس شريكاً فاعلاً في تنفيذ رؤية المملكة 2030 وخططها الإستراتيجية، وهو معزز للدبلوماسية البرلمانية، إذ بتناوله السياسة الخارجية أو الدور الإقليمي والدولي للمملكة، ينعكس ذلك على نشاطات المجلس في المحافل البرلمانية الدولية، ويتبنى المجلس مواقف داعمة للسياسة الخارجية، ما يعزز صورة المملكة في الساحة العالمية، إضافة إلى أنه يحفّز الأعضاء على المبادرات النوعية، ويُعد مصدر إلهام للأعضاء لتقديم مقترحات تتناغم مع الأولويات الوطنية، ومن خلال تشديد الخطاب الملكي على تمكين الشباب أو المرأة، يسعى الأعضاء إلى اقتراح مبادرات وأنظمة تحقق هذه التوجهات، وهو يوحّد الرؤية المؤسسية، ويُصبح أعضاء المجلس أكثر انسجاماً في مداولاتهم باعتبارهم شركاء في صناعة القرار الوطني، بما يمنحهم من شرعية سياسية وأفق إستراتيجي للعمل خلال الدورة.
ويقوم المجلس بلجانه المتخصصة باعتماد مضامين الخطاب الملكي في المشروعات التي يعمل عليها سواء في دراسة الأنظمة أو التقارير السنوية للجهات الحكومية أو الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الدولية.
مسيرة وطنية
• بماذا حافظ المجلس على مكانته الاعتبارية؟
•• مجلس الشورى منبر وطني للتشريع والرقابة البرلمانية وصناعة القرار، وحلقة وصل بين القيادة والمجتمع، يسهم في دعم مكانة المملكة داخلياً وخارجياً، بما يعزز من مسيرتها الوطنية التنموية والحضارية.
• خلال السنة الشورية السابقة، هناك جهود للمجلس منها إصدار 462 قراراً، منها: 180 قراراً تتعلق بالتقارير السنوية للأجهزة الحكومية، و55 تتعلق بالأنظمة واللوائح، و225 تتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم، ما سبب الزهد في الحديث عنها إعلامياً خصوصاً الأنظمة واللوائح؟
•• هناك مبدأ أساسي يتمثّل في أن جهود المجالس التشريعية (مجلسي الوزراء والشورى) والمؤسسات التنفيذية مرتكزة على خدمة الوطن والمواطن، وعدم الحديث عن أي نظام (قبل صدور مرسوم ملكي بإقراره) يأتي ضمن سياق المصلحة العامة، إذ بالتريّث يتم ضبط المعلومة، ويمنع التشويش، ويضمن وصول النص المعتمد رسمياً للجهات التنفيذية وللمواطنين، وربما لعدم الحديث عن مشروعات الأنظمة في مختلف وسائل الإعلام له جوانب إيجابية عدة، منها حماية الاستقرار التنظيمي ودعمه، كون الأنظمة تمر بمراحل إعداد ومراجعة من مجلسي الوزراء والشورى، وتُجرى عليها تعديلات قبل صدور المرسوم الملكي. وأي إعلان مبكر أو تداول إعلامي ربما يعطي صورة غير دقيقة عن الشكل النهائي، إضافة إلى الحفاظ على الموثوقية، كون الحديث عن نظام لم يُعتمد رسمياً ربما يسبب إرباكاً لدى المواطنين والمقيمين والجهات التنفيذية، لأن أي نقاش أو شائعات ربما تُفهم كأنها قرارات نافذة، كما أن فيه منعاً للشائعات، لأن تداول أخبار غير مؤكدة يفضي إلى تفسيرات خاطئة أو توقعات غير صحيحة، ما قد يضعف ثقة الناس بالجهات الرسمية، ومنها إبراز لهيبة المرسوم الملكي إذ إن صدور النظام بالصيغة الرسمية، يعطيه ثقله القانوني والسيادي، ويؤكد أن المرجع النهائي هو الدولة وقيادتها، لا التكهنات الإعلامية.
دور مهم
• لماذا يظن البعض أن دور مجلس الشورى محدود، وأثره ليس واضحاً على التنمية والمواطن، ولا يبلغ أفراد المجتمع؟
•• للمجلس دور كبير ومهم في المنظومة التشريعية، وأشار ولي العهد، إلى بصمة مجلس الشورى، وإسهاماته في تطوير الأنظمة واستكمال المنظومة التشريعية وتحديثها لتكون بلادنا في مصاف الدول المتقدمة تشريعياً، وطبيعة عمل المجلس (تشريعي/ رقابي/ برلماني)، وهي مهمات غير مباشرة، ما يجعل بعض المجتمع لا يرى أثر قراراته، شأن الوزارات التنفيذية التي تقدم خدماتها بصورة مباشرة للمجتمع. والمواطن عادة يقيّم الأداء بناءً على الخدمات الفورية (مثل الصحة، التعليم، الإسكان)، بينما دور الشورى أقرب إلى ضبط السياسات ومراقبتها.
• لماذا لا ينعكس عمل المجلس بشكل سريع على المجتمع؟
•• المجلس يدرس مشروعات الأنظمة، ويناقش تقارير الأجهزة الحكومية ومخرجاتها ذات الأثر بعيد المدى، ولا تظهر نتائج الدراسة والمناقشة في يومية المواطن بصورة فورية، إضافة إلى أن لصعوبة إدراك الأثر التشريعي من بعض إفراد المجتمع دوراً، فالمواطن أحياناً لا يربط بين تحسين خدمة معينة للمواطن من الجهات الحكومية والدور الذي يؤديه مجلس الشورى، متمثّلاً في ما يمنح لهم من صلاحيات وفق الأنظمة والتشريعات، التي مصدرها المجلس، لتتمكن من تقديم تلك الخدمات للمواطنين، كما أن تنوّع القضايا والتحول الكبير في التنمية الاقتصادية يحدّان من ظهور تأثير المجلس على كل تفاصيل حياة المواطن اليومية.
أخبار ذات صلة