بقلم: محمد الفرج

على ضفاف شاطئ في الحي الشرقي ولد في بيت أخواله الراشد البراك في مثل هذا اليوم من عام 1952م، بدأت حياته مع بداية النهضة الكويتية الحديثة، ونشأ في أسرة علمية لم ينقطع عنها العلم لأكثر من قرنين، فمن أعلامها: عبدالله الفرج، وجده المباشر خالد الفرج.

ولذلك اهتم أبوه محمد بصغيره سامي، وأعده ليكون امتدادا لهذه الإرث، ابتدأ الطفل سامي رحلته العلمية في البيت قبل دخوله المدرسة وتعلم القراءة والكتابة والخط على يد والديه، وكانت المجلات والكتب آنذاك في متناول يديه في سن مبكرة.

نشأ في منطقة الدسمة، ونعم بدفء أسري في البيت، وتلاحم وترابط اجتماعي بين الجيران، ولم تعرف أجواء تمايز اجتماعي أو نعرات طائفية، وفي هذه البيئة دخل سامي الصغير المدارس النظامية، فكانت حصيلته العلمية المتينة التي اكتسبها في البيت سببا للتفوق على أقرانه.

وفي صباه كان العالم العربي منطقة ملتهبة سياسيا، وكان المجتمع الكويتي متفاعلا، فنزل سامي مع المتظاهرين الكويتيين الداعمين للثوار الجزائريين، ودعا إلى مقاطعة العرب للمنتجات الأميركية الداعمة للصهيونية، ويذكر الراحل اقتطاع دور السينما الكويتية جزءا من سعر التذكرة دعما للقضية الفلسطينية.

وعند تنحى الرئيس جمال عبدالناصر خرج مع جموع المتظاهرين. وكانت لتلك هذه الأحداث والوقائع السياسية أثر في نفس سامي اليافع، ودافعة له إلى الاهتمام بالشأن السياسي.

دخل الشاب سامي كلية الشريعة والقانون في جامعة الكويت، ودرس فيها علي يد كبار فقهاء القانون مثل د.عثمان خليل عثمان، ود.عبدالوهاب حومد، ود.أحمد الغندور، ود.نهاد قاسم، فساهم احتكاكه المباشر بأساتذته في تكوينه العلمي، مما مكنه من تشكيل وجهة نظر فيما يدور حوله في المنطقة الملتهبة.

ورغم اجتهاده في المرحلة الجامعية لم ينصرف عن العمل النقابي والسياسي، فرشح نفسه في انتخابات الطلبة وصار رئيسا للهيئة الإدارية في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، فأمينا للسر، فرئيسا للاتحاد، وقد كانت فعاليات اتحاد الطلبة أثر في الحياة الاجتماعية في الكويت، وعند نفاد الميزانية اللازمة لعقد النشاطات الطلابية كان الطالب سامي مع بقية الأعضاء يذهبون للقاء سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح – رحمه الله – لطلب الدعم فلم يقصر ماديا ومعنويا، كما تصدر التظاهرة التي قام بها الكويتيون عام حادثة الصامتة 1972م، ثم اختير ضمن وفد صغير لتمثيل المتظاهرين أمام سمو الأمير الشيخ صباح السالم الصباح – رحمه الله -، فقابل الأمير، وسمعوا منه حديث الأب لأبنائه، وطلبوا منه التطوع للقتال، فوافق، وتم تجنيد من يرغب في التطوع، فحبب له هذا الأمر الانخراط في الخدمة العسكرية.

ولذلك لما تخرج الطالب سامي من الجامعة قرر الدراسة في الكلية العسكرية، وكان من شروط القبول اجتياز مقابلة شخصية، وكان الذي قابله صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد فقبل في الكلية وتخرج فيها، وصار ضابط اختصاص، وكان من أوائل ضباط الاختصاص الحقوقيين في الجيش الكويتي، فدرس مباشرة في الكلية العسكرية قانون الصراعات المسلحة، وبعدها انتقل للعمل كضابط في رئاسة الأركان، وقد كتب العديد من الدراسات بغية تطوير الجيش الكويتي، وتبناها الفريق محمد البدر الذي كان داعما له ومؤمنا بقدراته، وبعدها قرر السعي للحصول على شهادات عليا.

سافر إلى بريطانيا بداية الثمانينيات، فدرس في جامعة كامبريدج الماجستير في القانون الدولي العام، وبعدها درس في جامعة أكسفورد برنامج دراسات عليا في الديبلوماسية.

ثم سافر عام 1986م إلى أميركا للدراسة في كلية فلاتشر للقانون والديبلوماسية، حصل منها على الماجستير في الديبلوماسية والقانون الدولي، تلتها دراسة الدكتوراه، وفي خضم البحث والدراسة غزت القوات العراقية الكويت، فترك الباحث سامي الدراسة، وسارع إلى المساهمة بخبرته العلمية في خدمة حكومة بلده.

فسافر إلى مدينة نيويورك، وتم تنسيق لقاء مع سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح – رحمه الله – في مقر الأمم المتحدة، وسرّ الشيخ صباح بالباحث الشاب وكلفه بالذهاب إلى واشنطن مع وفد كويتي عسكري لمقابلة القيادات الأميركية في «الپنتاغون»، وبعدها ساهم في كتابة خطة لإدارة الأزمة للحكومة الكويتية، وأوكل إليه تنسيق حملة إعلامية لمحاولة حشد الرأي العام الغربي لتأييد الحق الكويتي، ولم يكتف بالمساهمة في الدفاع عن وطنه عن بعد، بل نزل إلى الميدان، وشارك العسكري سامي مقاتلا ضمن لواء «الفتح»، وبدأت حرب التحرير، وكان من أوائل من دخل الكويت من القوات الكويتية، ومنح وسام «تحرير الكويت» من قبل أمير دولة الكويت، وكذلك نوط «عاصفة الصحراء» من قائد فريق الارتباط في الجيش الأميركي.

وبعد الغزو عاود الباحث سامي الدراسة، لكن في جامعة أكسفورد في كلية ولفسون، وتخرج فيها بدرجة دكتوراه الفلسفة في الدراسات الاستراتيجية عام 1994م، وبعدها ابتدأ بالعمل مع الشيخ ناصر صباح الأحمد – رحمه الله – وكلف من قبل وزارة التخطيط بإعداد خطة مستقبلية للكويت عام 1996م.

ومع بداية الألفية أسس د.سامي «مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية»، وكان الأول من نوعه في منطقة الخليج، وقام بافتتاح المركز صديقه د.محمد صباح السالم، وتعاقدت معه مؤسسات عسكرية وحكومية في المنطقة، وقد كان لهذا المركز دور بارز وقت حرب العراق عام 2003م.

كان لا يشارك في عمل إلا إذ كان مقتنعا بنفعه وفائدته، غير ملتفت إلى المردود المالي، قل أو كثر، وكان شغفه العلم، دائم الاشتغال بالبحث والاطلاع، وكان دائما ما يحث الشباب على الجد والاجتهاد والاشتغال، وكان يقول في آخر عمره إنه لو كانت عنده الاستطاعة لاجتهد في الحصول على درجة الدكتوراه في الأدب العربي.. رحم الله عمي سامي الفرج، فقد كان يسعى دائما فيما فيه مصلحة بلده – الذي اختلط حبه بلحمه ودمه -، وناصحا لأهله وناسه، واضعا أمن الكويت ومستقبلها نصب عينيه على الدوام.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.