في الوقت الذي ينشر فيه هذا المقال، أكون قد غادرت دولة الكويت الحبيبة، كممثل للجمهورية اللبنانية فيها، دون أن يغادرني حب أهلها وتعلقي بها وحنيني الدائم لكل الأوقات الجميلة التي أمضيتها في هذا البلد الشقيق طوال إقامتي فيه.

اليوم، وأنا متجه لحمل مسؤولية تمثيل لبنان في منظمة الأمم المتحدة، أحمل معي من الكويت رصيدا إنسانيا وديبلوماسيا كبيرا، وتجربة ستبقى من أبرز ما أعتز به في مسيرتي، مشحون الوجدان بدفء العلاقات، وعبق المجالس، وأصالة التقاليد، وروح الإخاء التي لم تنقطع يوما بين الكويت ولبنان.

لم تكن مهمتي في الكويت مجرد تمثيل رسمي، بل تجربة إنسانية غنية وعميقة بكل ما تحمله من لقاءات وعلاقات وتفاهمات، فعلى أرضها، وجدت كرما لا تحده حدود، وقيادة رشيدة تتحلى بالحكمة والرؤية، وشعبا وفيا أصيلا، يقدر الصداقة ويفهم معنى الأخوة العربية على حقيقتها.

في هذا البلد الذي يشبه لبنان في نبضه وتاريخه، كانت الديبلوماسية أكثر من وظيفة، كانت تواصلا حيا مع مجتمع نابض بالحياة، تتكامل فيه القيم والمواقف.

لطالما آمنت بأن النجاح الديبلوماسي لا يبنى على الألقاب أو الصور الرسمية، بل على الثوابت الأخلاقية في السلوك، والاحترام العميق للسيادة، والتعامل بصدق وانفتاح مع الدولة المضيفة وشعبها، تلك كانت البوصلة التي وجهت مسار مهمتي في الكويت ملتقيا في ذلك مع قناعة راسخة لدى جميع مكونات الجالية اللبنانية الكريمة، فكان الانخراط الإيجابي، وبناء جسور الثقة، وتقديم الصورة الحقيقية عن لبنان وشعبه الحضاري.

لقد كانت الديوانيات الكويتية إحدى أبرز النوافذ التي دخلت من خلالها إلى قلب المجتمع الشقيق، حيث اختبرت عن قرب المعنى الحقيقي للتلاقي الإنساني في مجالس عامرة بالنقاش والاحترام والتنوع، حيث التقيت قيادات فكرية واجتماعية بارزة، وتبادلنا الرأي بمحبة وود، هناك، حيث لا رسميات ولا حواجز، تعلمت الكثير عن الكويت والكويتيين، وعرفت الأكثر عن تعلقهم بلبنان السلام والعلم والفرح، وازددت يقينا بأن العلاقات بين بلدينا لا تقوم فقط على الملفات، بل على ذاكرة مشتركة من الود والتفاهم.

وفي الموازاة، كانت الجالية اللبنانية حاضرة في قلبي وفي جدول عملي اليومي، أبناء لبنان في الكويت هم نموذج مشرف للالتزام والنجاح، وهم السفراء الحقيقيون لوطنهم الثاني، هم مدعاة الفخر الدائم لتميزهم في جميع ميادين الحياة والعمل، ولكونهم مثالا في الالتزام القيمي والمهني والقانوني.

إليهم أوجه تحية قلبية خالصة، شاكرا دعمهم وتعاونهم وحرصهم على وحدة الصف والكلمة.

أخص بالذكر مجلس الأعمال اللبناني في الكويت، ومجلس السيدات اللبنانيات فيها، وكل لبنانية ولبناني يؤمنون ويتصرفون في بلدهم الثاني كممثلين حقيقيين للأصالة اللبنانية والرقي الحضاري والإشعاع الثقافي والإنساني.. آملا أن تبقى أفئدتهم مشدودة نحو السفارة اللبنانية التي سعيت وسعدت بأن تكون دائما، بيتهم الجامع، وسندهم في أفراحهم وأتراحهم، ومركز انطلاق لإشعاع حيويتهم وإبداعهم ونشاطاتهم الجامعة المميزة.

العلاقة بين لبنان والكويت، لم تكن ولن تكون ظرفية ولا موسمية، بل هي، كما أؤمن وكما أثبت التاريخ، شراكة مستدامة، متجذرة في الموقف والدعم المتبادل، من أيام إعادة الإعمار بعد الحرب، إلى الدعم المتواصل في أزماتنا الاقتصادية والمعيشية، وصولا إلى المواقف المشرفة للكويت في المحافل العربية والدولية دفاعا عن لبنان وسيادته واستقراره، دون أن ننسى مساهمات أبناء الجالية وانخراط الشركات اللبنانية في مسارات التنمية المختلفة في الكويت منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى ما سيأتي في المستقبل القريب والبعيد بإذن الله.

وإنني إذ أخص بالشكر القيادة الكويتية الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، وسمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد، والحكومة الرشيدة، حفظهم الله جميعا ورعاهم، فإنني أرفع أسمى عبارات الامتنان لما لقيته من دعم وتعاون وثقة طوال فترة عملي، في كل الجهات الرسمية، وفي أوساط النخبة والمجتمع.

وإنني لا أنسى زملائي في السلك الديبلوماسي في الكويت، الذين كان لي شرف العمل معهم في تناغم واحترام متبادل، وبتعاون فاعل يعكس الروح الحقيقية للعمل الديبلوماسي النزيه والمسؤول، وهذا ما كرس قناعتي بأن نبل وإنسانية العلاقات المهنية هي المحفز الرئيسي للمناخ التفاعلي البناء والوجه الحقيقي للديبلوماسية المعاصرة.

أغادر الكويت اليوم، ولا تمحى من ذاكرتي وجوه الطيبين الذين التقيتهم في الأروقة، في الديوانيات، في المناسبات، وفي مواقف الدعم الصادق، أحمل معي رصيدا من الخبرة والعاطفة، ومن العلاقات النبيلة التي ستظل ترافقني في كل محفل، وفي كل لقاء دولي أمثل فيه لبنان.

أودعكم وأنا مفعم بالأمل في أن تستمر العلاقات بين بلدينا في ازدهار دائم، وأن يبقى لبنان قريبا من الكويت، كما كانت الكويت دائما قريبة من قلوب اللبنانيين.

شاركها.
اترك تعليقاً