صدر عن مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي العدد (26) من سلسلة «نوادر النوادر من الكتب»، وبهذا العدد تكون هذه السلسلة قد عرفت القارئ العربي بأكثر من ألفي كتاب، وهذه الكتب لها قيمة استثنائية فهي أولا تمثل أقدم المطبوعات العربية، إذ ظهر أقدمها في القرن السادس عشر وأحدثها مضى عليه قرابة ثلاثة أرباع القرن وفي هذا المدى الزمني الذي يمتد لقرابة أربعة قرون من الزمن تنوعت أماكن الطبع والإصدار بين مدن أوروبية، ومدن عربية عديدة، ومدن آسيوية.

وهذه الكتب التي تمثل ثروة معرفية قيمة كانت مهددة بالضياع لقدمها، ولتعدد وتباعد أماكن إصدارها، وكان العثور على بعضها يحتاج إلى عمل شاق وإمكانات كبيرة.

وقد قام بهذا العمل الجليل رجل فذ افتقدته الكويت والأمة العربية بتاريخ 21 رمضان 1446هـ الموافق 21 مارس 2025م بعد أن وضع نفسه وإمكاناته لخدمة وطنه وأمته، وأنجز خلال حياته مآثر كثيرة كان منها هذه المكتبة القيمة التي حرص على جمعها من مصادرها المختلفة وأهداها إلى مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، ومن ضمنها آلاف من كتب النوادر التي تحمل في سبيل العثور عليها مبالغ كبيرة، وأسفارا كثيرة في مختلف بقاع الأرض، واتصالات لا تهدأ، وبحثا لا يكل عن أماكن وجودها.

هذا الرجل هو الراحل عبدالكريم سعود البابطين – رحمه الله – الذي قدم آخر توصياته للعلماء والقراء والمثقفين العرب من خلال تصديره لهذا العدد قائلا: «خلال مسيرة حياتي المديدة كانت هوايتي المفضلة هي اقتناء أوعية المعرفة من كتب مطبوعة ودوريات ومخطوطات، كنت أدرك أن الكتاب كنز معرفي، ووسيلة إرشاد، وخبرة إنسان مميز يقدمها إلينا لكي تزداد البصيرة نفاذا، ومن بين الكتب التي كنت أوليها اهتماما خاصا الكتب النادرة، وهي كتب تم طبعها في حقب سابقة، ولم تعد طباعتها فغدت مهيئة للضياع.

كنت أشعر أن جمع مثل هذه الكتب هو واجب قومي للحفاظ على تراث معرفي لا يقدر بثمن، وبذلت كل جهدي وإمكاناتي لأقتني أكبر عدد منها من مختلف الأماكن وعلى مدى زمني طويل».

وسيبقى هذا العمل الجليل في سجل أعمال هذا الرجل يكسبه الرضا والمغفرة من رب العباد، بإذن الله تعالى.

وهذا العدد كالأعداد السابقة نلمس من خلال ما احتواه من إصدارات الكثير من المحطات الفارقة في مسيرة الثقافة العربية في العصر الحديث.

ومن بين الكتب كتاب «المختصر في تاريخ البشر»، وهو في الأصل عبارة عن مخطوطة ترجمها المستشرق الفرنسي جين جانيير إلى اللاتينية، وهو يتناول حياة سيدنا محمد ﷺ كما سجلها إسماعيل أبوالفداء مؤلف هذا الكتاب الذي نشر في أكسفورد عام 1723م.

ومن الكتب التي تثير الاهتمام كتابان صدرا عن الكويت تظهر فيهما الرغبة في تحديث المجتمع، ففي محاورات المدرسة الأحمدية التي جرت بين طلاب هذه المدرسة سنة 1923 تبرز الرغبة القوية في الانعتاق من آراء دعاة الجمود والانغلاق وما أظهروه من عداء للمدرسة الحديثة المنفتحة على علوم الغرب وثقافته ولغاته، وفي كتاب «قانون النادي الثقافي القومي» نجد التطلع إلى إنشاء المؤسسات الحديثة التي تؤطر عمل الشباب وتهيئهم لخدمة مجتمعهم.

ويسلط العدد الضوء أيضا على كتاب «قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق والنهرين» للمؤلف محمد بن رشيد السعدي، ونشر الكتاب عام 1907، وينقسم الكتاب إلى 4 أقسام: دجلة والفرات، الجزيرة ومدنها الشهيرة، العراق ومدنه الشهيرة، نبذة عن تاريخ العالم.

ومن الكتب القيمة في هذا العدد كتاب «يقظة العرب» لجورج أنطونيوس المترجم عن اللغة الإنكليزية وهو يكشف عن كثير من الوقائع التي عاشها المؤلف بنفسه أو عثر عليها خلال البحث في أرشيفات الدول الغربية ويسجل فيه الأحداث والوقائع المهمة في تاريخ العرب الحديث منذ بدء اليقظة وما حفل هذا التاريخ به من آمال وخيبات وانتصارات وهزائم.

والعدد حافل بالكتب الأخرى التي طبعت في باريس، ومومباي، وحيدر آباد، وبتافيا في إندونيسيا، مما يدل على الاهتمام بالكتاب العربي في عدة بلدان أوروبية وإسلامية.

شاركها.
اترك تعليقاً