في سابقة قضائية هزت الأوساط الحقوقية والدولية، أصدرت المحاكم السلفادورية أحكامًا بالسجن تجاوزت الألف عام بحق قادة وأعضاء عصابة “إم إس 13” (MS-13)، في إطار حملة “الحرب الشاملة” التي تشنها السلفادور على الجريمة المنظمة. هذه الأحكام، التي وصفها البعض بالصارمة وغير المسبوقة، تثير تساؤلات حول مبرراتها القانونية والأخلاقية، وتلقي الضوء على الأزمة الأمنية العميقة التي تعاني منها البلاد. وتعتبر عصابة إم إس 13 من أخطر العصابات الإجرامية في العالم، حيث ارتكبت جرائم وحشية مروعة على مدى عقود.
حملة “القبضة الحديدية” في السلفادور: خلفية الأحكام التاريخية
بدأت السلطات السلفادورية، بقيادة الرئيس نجيب بوكيلة، حملة أمنية واسعة النطاق في عام 2022، استهدفت بشكل رئيسي عصابتي “إم إس 13″ و”باريو 18”. وقد أسفرت هذه الحملة عن اعتقال أكثر من 90 ألف شخص يشتبه في انتمائهم للعصابات، مع الإفراج عن 8 آلاف منهم بعد ثبوت براءتهم. تهدف هذه الإجراءات إلى استعادة الأمن والنظام في البلاد، التي كانت تعاني من معدلات جرائم قتل مرتفعة للغاية.
وتتهم الحكومة السلفادورية العصابتين بالمسؤولية عن مقتل حوالي 200 ألف شخص خلال الثلاثين عامًا الماضية، بالإضافة إلى سيطرتهما على نسبة كبيرة من الأراضي السلفادورية قبل بدء الحملة الأمنية. وقد أدت هذه الحملة إلى انخفاض ملحوظ في معدلات الجريمة، وهو ما حظي بتأييد شعبي واسع.
أحكام “القرون”: تفاصيل صادمة وأرقام غير مسبوقة
في قرار تاريخي، أصدرت المحكمة السلفادورية أحكامًا بالسجن لمدد طويلة بشكل استثنائي ضد قادة وأعضاء عصابة “إم إس 13”. حُكم على مارفين هيرنانديز، رئيس العصابة، بالسجن لمدة 1335 عامًا، بينما حُكم على فريدي إدغاردو بـ 958 عامًا، وميغويل غوزمان بـ 880 عامًا، وكيلفين ريفاس بـ 739 عامًا. هذه الأحكام تعني عمليًا بقاء هؤلاء المجرمين في السجن حتى نهاية حياتهم.
وقد صدرت هذه الأحكام بعد إدانتهم بارتكاب 43 جريمة قتل و42 جريمة إخفاء قسري. تعتبر هذه الأحكام بمثابة رسالة قوية للعصابات الإجرامية، وتؤكد عزم الحكومة السلفادورية على القضاء عليها.
ردود الفعل المتباينة: بين التشفي والانتقاد
أثارت الأحكام الصادرة ضد أعضاء عصابة “إم إس 13” ردود فعل متباينة على نطاق واسع. فقد أعرب العديد من المواطنين عن دعمهم لهذه الأحكام، معتبرين أنها عقاب عادل على الجرائم الوحشية التي ارتكبتها العصابة. وقد شارك العديد من المغردين على وسائل التواصل الاجتماعي آرائهم حول هذا الموضوع، معبرين عن تشفيهم في مصير المجرمين.
في المقابل، انتقد البعض الآخر هذه الأحكام، معتبرين أنها غير منطقية وغير إنسانية. كما تساءلوا عن الجدوى من الحكم بألف عام على شخص، مؤكدين أن هذا الحكم يعني ببساطة قضاء بقية حياته في السجن. كما أعربت بعض المنظمات الحقوقية عن قلقها بشأن هذه الأحكام، مشيرة إلى أنها قد تنتهك حقوق الإنسان.
المنظمات الحقوقية تُثير تساؤلات حول الإجراءات القانونية
انتقدت حركة “موفير” (حركة ضحايا النظام)، وهي منظمة مدنية تدافع عن المعتقلين تعسفيا، هذه الأحكام، متسائلة عما إذا كانت العقوبات قد راعت إجراءات التقاضي السليمة. واعتبرت الحركة أن هذه “الأحكام الاستعراضية” قد تكون مجرد “إستراتيجية تسويقية شعبية” للرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة. وتركز هذه الانتقادات على الشفافية والإجراءات القانونية المتبعة في المحاكمات، مع التأكيد على أهمية ضمان حقوق المتهمين.
مستقبل مكافحة الجريمة المنظمة في السلفادور
تعتبر الأحكام الصادرة ضد أعضاء عصابة “إم إس 13” خطوة جريئة في إطار جهود السلفادور لمكافحة الجريمة المنظمة. ومع ذلك، فإن هذه الأحكام تثير تساؤلات حول مستقبل هذه الحرب، وما إذا كانت ستؤدي إلى حلول دائمة للأزمة الأمنية في البلاد.
من الواضح أن مكافحة الجريمة المنظمة تتطلب استراتيجية شاملة ومتكاملة، تتضمن ليس فقط القمع الأمني، بل أيضًا معالجة الأسباب الجذرية للجريمة، مثل الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة السلفادورية أن تحترم حقوق الإنسان وأن تضمن إجراءات تقاضي عادلة وشفافة. كما أن التعاون الدولي مع الدول الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة، يعتبر أمرًا ضروريًا لمكافحة العصابات العابرة للحدود.
في الختام، تبقى الأحكام الصادرة ضد أعضاء عصابة “إم إس 13” قضية مثيرة للجدل، وتلقي الضوء على التحديات الأمنية والقانونية التي تواجه السلفادور. ومن الضروري متابعة تطورات هذه القضية، وتقييم تأثيرها على مستقبل الأمن في السلفادور وعلى جهود مكافحة الجريمة المنظمة على الصعيدين الإقليمي والدولي.















