تجدد التوتر على الحدود الأفغانية الباكستانية في الأيام الأخيرة، مع تبادل الاتهامات بين البلدين بشن هجمات عبر الحدود. تتهم الحكومة الأفغانية الجيش الباكستاني بقصف مناطق مدنية، بينما تنفي باكستان هذه الاتهامات وتؤكد أنها تستهدف جماعات إرهابية تهدد أمنها. وقد أدت هذه الأحداث إلى تصاعد حدة التوتر القائم وتعقيد جهود استئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية. يركز هذا المقال على تطورات الأزمة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، وتحليل الأسباب والدوافع وراءها، بالإضافة إلى التداعيات المحتملة على المنطقة.
تصاعد حدة التوتر: اتهامات متبادلة وهجمات عبر الحدود
في أحدث تطورات الأزمة، اتهمت الحكومة الأفغانية الجيش الباكستاني بشن غارات جوية وأرضية على ثلاثة أقاليم شرقية: خوست، كونار، وباكتيكا. وأفادت كابل بسقوط ضحايا مدنيين، حيث قُتل 10 أشخاص في قصف استهدف منزلاً في إقليم خوست، بينهم 9 أطفال وامرأة، وإصابة 4 آخرين في الإقليمين الآخرين. وقد تعهد المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، بالرد “بالشكل اللازم” على هذه الهجمات.
في المقابل، نفت إسلام آباد بشدة استهداف أي مواقع مدنية، مؤكدة أن عملياتها العسكرية تهدف إلى مكافحة الإرهاب وتُعلن عنها بشفافية. وأوضح المتحدث باسم القوات المسلحة الباكستانية، الجنرال أحمد شريف، أن بلاده “ليست ضد الشعب الأفغاني بل ضد الإرهاب”، مشدداً على أن إراقة الدماء لا يمكن أن تترافق مع استئناف التجارة بين البلدين.
الأسباب والدوافع وراء الأزمة الحدودية
يعود تصاعد التوتر بين أفغانستان وباكستان إلى عدة عوامل متشابكة، أبرزها:
قضايا الأمن والإرهاب
تتهم باكستان أفغانستان بإيواء جماعات مسلحة، وعلى رأسها حركة طالبان الباكستانية (TTP)، التي تشارك في هجمات دامية داخل الأراضي الباكستانية. وتنفي أفغانستان هذه الاتهامات، وتدعي أنها ملتزمة بمكافحة الإرهاب وعدم السماح لأي جماعة باستخدام أراضيها لتهديد أمن الدول الأخرى. هذا الخلاف الأمني يشكل جوهر التوتر الحالي.
نزاعات حدودية تاريخية
تاريخياً، شهدت الحدود بين البلدين نزاعات متكررة بسبب الخطوط غير الواضحة والتهديدات المتبادلة. خط دوراند، الذي رسم في القرن التاسع عشر كحدود بين أفغانستان وبريطانيا الراجعة (الآن باكستان)، يبقى نقطة خلاف رئيسية، حيث ترفض أفغانستان الاعتراف به كحدود دولية.
أزمة اللاجئين
تدهورت العلاقات مؤخرًا بسبب قضايا الهجرة واللاجئين. تواجه باكستان ضغوطًا كبيرة بسبب وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان على أراضيها، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للسيطرة على الحدود وطردهم. تعتبر باكستان أن تدفق اللاجئين يشكل عبئاً اقتصادياً وأمنياً.
جهود احتواء التصعيد وتأثير إغلاق الحدود
في خضم التصعيد الأمني، بذلت بعض الأطراف جهودًا لاحتواء الأزمة وإعادة قنوات الحوار. فقد أفادت صحيفة “دون” الباكستانية بعقد قنصل باكستان في جلال آباد اجتماعًا مع حاكم ولاية ننغرهار المقرب من قيادة طالبان، وذلك بعد هجوم على مقر قوة حرس الحدود في بيشاور. تهدف هذه الخطوة إلى تهدئة التوتر وإعادة بناء الثقة بين الطرفين.
وعلى الرغم من هذه الجهود, لا تزال الحدود بين أفغانستان وباكستان مغلقة منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول، مما أثر بشكل كبير على التجارة الثنائية بين البلدين. تعتمد اقتصادات كلا البلدين بشكل كبير على التجارة عبر الحدود، وإغلاقها تسبب في خسائر اقتصادية فادحة وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
اتفاق الدوحة: بصيص أمل أم مجرد إجراء شكلي؟
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت أفغانستان وباكستان على اتفاق لوقف إطلاق النار في الدوحة، قطر. إلا أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً، حيث تجددت الاشتباكات والهجمات عبر الحدود بعد فترة وجيزة. كما أن محادثات السلام اللاحقة في تركيا انهارت دون التوصل إلى اتفاق طويل الأمد. هذا يشير إلى أن الاتفاق في الدوحة ربما كان مجرد إجراء شكلي يهدف إلى تهدئة الموقف مؤقتًا، دون معالجة الأسباب الجذرية للنزاع.
تداعيات الأزمة المحتملة على المنطقة
إن استمرار التوتر بين أفغانستان وباكستان يحمل في طياته تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي. بالإضافة إلى الخسائر البشرية والاقتصادية، قد يؤدي إلى:
- تفاقم الأزمة الإنسانية: يمكن أن يتسبب إغلاق الحدود في تفاقم الأزمة الإنسانية في أفغانستان، التي تعاني بالفعل من نقص حاد في الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية.
- زيادة نشاط الجماعات المتطرفة: يمكن أن يوفر الوضع الأمني المتدهور أرضًا خصبة لنمو وتوسع الجماعات المتطرفة في المنطقة.
- تأثير سلبي على جهود السلام: قد يعيق التوتر القائم أي جهود مستقبلية لتحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان والمنطقة.
- تأثيرات على دول الجوار: قد تنعكس الأزمة على دول الجوار، خاصةً دول آسيا الوسطى، من خلال زيادة تدفق اللاجئين أو انتشار الأنشطة الإرهابية.
الخلاصة
إن الأزمة الحدودية بين أفغانستان وباكستان تمثل تحديًا كبيرًا للأمن والاستقرار الإقليمي. تتطلب حل هذه الأزمة حوارًا بناءً ومعالجة شاملة للأسباب الجذرية للنزاع، بما في ذلك قضايا الأمن والحدود والهجرة. كما أن من الضروري استئناف التعاون الثنائي والإقليمي في مجالات مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية لتعزيز الثقة وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للبلدين والمنطقة. من الواضح أن الوضع يحتاج إلى تدخل دولي مكثف لضمان عدم تصاعد الأمر إلى حرب شاملة، ولحماية المدنيين من أي ضرر. العلاقات الأفغانية الباكستانية هي مفتاح الاستقرار في المنطقة، وتدهورها يهدد الجميع.















