العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي واحدة من أكثر العلاقات الدولية تعقيدًا وفرادة. لطالما أثارت هذه الشراكة الاستراتيجية تساؤلات حول طبيعتها وأسباب استمرارها بهذه القوة، خاصةً وأنها تختلف بشكل ملحوظ عن التحالفات التقليدية التي تربط واشنطن بحلفائها الآخرين. ففي حين تتمتع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية باتفاقيات دفاع مشترك، تظل العلاقة مع إسرائيل تتميز بـ”امتيازات” خاصة، تتجاوز مجرد الدعم السياسي إلى تقديم مساعدات مالية وعسكرية ضخمة، وحماية قانونية غير مسبوقة.
## العلاقة الاستراتيجية الفريدة: أبعاد الدعم الأميركي لإسرائيل
تعتبر إسرائيل من بين عدد قليل من الدول التي تحظى بمكانة خاصة في السياسة الخارجية الأمريكية، فهي ليست مجرد حليف، بل “حليف مدلل” كما يصفها البعض. هذا التدليل يتجلى في عدة جوانب، أبرزها حجم المساعدات العسكرية التي تتلقاها إسرائيل من الولايات المتحدة. وتشير التقارير إلى أن هذه المساعدات بلغت حوالي 310 مليار دولار، وهو رقم يفوق بكثير ما تقدمه واشنطن لمعظم حلفائها.
هذا الدعم لا يقتصر على الجانب المالي، بل يمتد ليشمل الوصول إلى أحدث التقنيات والمنصات العسكرية الأمريكية. فإسرائيل كانت من أوائل الدول التي حصلت على طائرة “إف-35” المقاتلة الشبحية، مما يمنحها تفوقًا جويًا كبيرًا في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تضمن الولايات المتحدة أن أي أسلحة تبيعها لدول أخرى في الشرق الأوسط لا تقوض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
### “حاملة الطائرات الأميركية” في الشرق الأوسط
لطالما برر مؤيدو هذه العلاقة المميزة أهمية إسرائيل بالنسبة للأمن القومي الأمريكي. السيناتور الأمريكي الراحل جيسي هيلمز وصف إسرائيل بأنها “حاملة الطائرات الأمريكية في الشرق الأوسط”، مشيرًا إلى أن وجودها العسكري في المنطقة يخدم المصالح الاستراتيجية لواشنطن. هذا الرأي يعكس الاعتقاد بأن إسرائيل تمثل نقطة ارتكاز للسياسة الأمريكية في المنطقة، وتساعد في الحفاظ على الاستقرار ومواجهة التحديات.
## القوانين الأميركية وحماية المصالح الإسرائيلية
لا يقتصر الدعم الأمريكي لإسرائيل على المساعدات العسكرية والسياسية، بل يتعداه إلى سن قوانين وتشريعات تهدف إلى حماية مصالحها. أحد أبرز هذه القوانين هو “قانون ليهي”، الذي يقيد المساعدة الأمنية الأمريكية للوحدات الأجنبية المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان. ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن الولايات المتحدة لا تطبق هذا القانون على إسرائيل بنفس الصرامة التي تطبقه على دول أخرى.
هناك أيضًا قوانين أخرى تضمن الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وتلزم الحكومة الأمريكية باتخاذ إجراءات لضمان عدم حصول أي دولة أخرى في المنطقة على أسلحة يمكن أن تهدد هذا التفوق. هذه القوانين تعكس التزامًا أمريكيًا طويل الأمد بدعم إسرائيل، وحمايتها من أي تهديدات محتملة.
## تحولات الرأي العام الأميركي وتأثيرها المحتمل
على الرغم من قوة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن هناك مؤشرات على تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل في الولايات المتحدة. استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أن نسبة الأمريكيين الذين يعربون عن دعمهم لإسرائيل قد انخفضت إلى 46%، وهو أدنى مستوى منذ 25 عامًا. هذا التراجع يعزى بشكل كبير إلى تزايد الوعي بالقضية الفلسطينية، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام.
### جيل “تيك توك” والقضية الفلسطينية
جيل الشباب الأمريكي، المعروف باسم “جيل تيك توك”، يبدو أنه أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين مقارنة بالأجيال الأكبر سنًا. هذا الجيل يحصل على الأخبار والمعلومات من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر مقاطع الفيديو والصور التي توثق معاناة الفلسطينيين. هذا التعرض المباشر للواقع الفلسطيني قد أدى إلى تراجع الدعم لإسرائيل بين الشباب الديمقراطيين والليبراليين في أمريكا.
## مستقبل العلاقة: هل حان وقت “فطام” إسرائيل؟
مع تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل في الولايات المتحدة، وتزايد الانتقادات الموجهة للمساعدات الأمريكية، بدأت تظهر دعوات لمراجعة هذه العلاقة. يرى البعض أن إسرائيل أصبحت دولة قوية وغنية، وقادرة على توفير أمنها بنفسها، وبالتالي فإن استمرار تقديم المساعدات لها لم يعد مبررًا.
واقترح باحثون في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إلغاء المساعدات العسكرية تدريجيًا على مدى عشر سنوات، واستبدالها باتفاقيات ثنائية للتعاون الأمني. هذا الإجراء، بحسبهم، سيفيد كلا البلدين، ويساعد في تطبيع العلاقات. بينما يرى آخرون أن المساعدات الأمريكية تضعف القاعدة الصناعية الدفاعية الإسرائيلية، وتعمل في المقام الأول كمصدر دخل لشركات المقاولات الدفاعية الأمريكية.
في الختام، العلاقة بين واشنطن وتل أبيب هي علاقة معقدة ومتعددة الأوجه، تتأثر بالعديد من العوامل السياسية والاستراتيجية والاقتصادية. وبينما لا تزال هذه العلاقة قوية ومتينة، إلا أن هناك مؤشرات على تحولات محتملة في المستقبل، خاصةً مع تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل في الولايات المتحدة. من المهم متابعة هذه التطورات، وتحليل تأثيرها على مستقبل العلاقة بين البلدين، وعلى الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.















