في تطورات لافتة تشهدها سوريا، شهدت مناطق مختلفة من الساحل السوري وحمص وحماة اليوم الثلاثاء، 25 نوفمبر 2025، تنظيم مظاهرات واحتجاجات تطالب بالإفراج عن المعتقلين من أبناء الطائفة العلوية. هذه الاحتجاجات تأتي في ظل أجواء متوترة، وتثير تساؤلات حول طبيعة التحولات التي تمر بها البلاد بعد عقود من حكم عائلة الأسد، وتحديداً مسألة المظاهرات في سوريا وتداعياتها الأمنية والاجتماعية.

تطورات الاحتجاجات والمطالب الرئيسية

بدأت الاحتجاجات بشكل متزامن في عدة مدن ساحلية، بالإضافة إلى حمص وحماة، حيث عبر المشاركون عن غضبهم واستيائهم من استمرار اعتقال أبنائهم، الذين تتهمهم الحكومة السورية بارتكاب جرائم وانتهاكات خلال فترة حكم النظام السابق. المشاركون يؤكدون على حقهم في معرفة مصير معتقليهم، ومحاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات.

ووفقًا لمسؤول في دائرة العلاقات الإعلامية بوزارة الإعلام السورية، فإن وحدات الأمن الداخلي قد انتشرت في الساحات العامة، خاصة في اللاذقية ومدن الساحل الأخرى، بهدف تأمين سير الاحتجاجات وحماية المتظاهرين. هذا الانتشار الأمني يهدف إلى منع أي احتكاكات أو أعمال عنف قد تعيق التعبير السلمي عن المطالب.

ردود فعل الحكومة وتأمين التجمعات

تأتي هذه التحركات الشعبية كرد فعل على احتجاجات سابقة شهدها الساحل السوري، والتي طالبت الحكومة باتخاذ موقف حازم تجاه المتورطين في جرائم وانتهاكات سابقة بحق الشعب السوري. وفي هذا السياق، أكدت وزارة الداخلية السورية على التزامها بحماية المتظاهرين وضمان حقهم في التعبير عن مطالبهم بشكل سلمي.

في تصريحات أدلى بها المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أكد أن وحدات الأمن الداخلي قد عملت على تأمين التجمعات الاحتجاجية في بعض المناطق الساحلية، وذلك لمنع أي محاولات لاستغلال هذه الاحتجاجات لإثارة الفوضى. وأضاف أن وزارة الداخلية تحترم حق التعبير عن الرأي للجميع، شريطة أن يتم ذلك في إطار القانون وبما لا يخل بالسلم الأهلي.

كما حذر المتحدث من وجود جهات تسعى إلى الترويج للفوضى في مناطق الساحل، مؤكدًا أن هذه الجهات تتواجد خارج البلاد ولا تمثل الواقع المعيشي لأهل الساحل. ودعا البابا إلى عدم الانجرار وراء هذه المخططات التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.

أحداث حمص وتصاعد التوترات الطائفية

تأتي هذه الاحتجاجات في أعقاب أحداث عنف طائفي شهدتها مدينة حمص، حيث عُثر على زوجين مقتولين في منزلهما، وتم إحراق جثة الزوجة، بالإضافة إلى وجود عبارات ذات طابع طائفي في مكان الجريمة. وقد وجهت اتهامات لبعض الأفراد من الطائفة العلوية بالوقوف وراء هذه الجريمة، مما أدى إلى تصاعد التوترات الطائفية في المدينة.

وقد رد شبان من العشائر البدوية بأعمال تخريب طالت المساكن والسيارات والمتاجر في الأحياء ذات الغالبية العلوية، قبل أن تفرض السلطات حظرًا للتجوال في محاولة لاحتواء الوضع. وزارة الداخلية السورية أكدت أن جريمة حمص ذات طابع جنائي وليست طائفيًا، وأن التحقيقات جارية لكشف ملابسات الجريمة وتقديم الجناة للعدالة.

التحقيقات الجارية والاعتقالات

أعلنت وزارة الداخلية السورية عن إلقاء القبض على أكثر من 120 شخصًا يشتبه في تورطهم في أحداث العنف الأخيرة في حمص. وأكدت الوزارة أن جميع المعتقلين سيتم تقديمهم إلى القضاء لمحاكمتهم وفقًا للقانون. هذه الاعتقالات تأتي في إطار الجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع في حمص ومنع أي تصعيد إضافي للتوترات الطائفية.

هل هي أزمة جنائية أم طائفية؟

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل ما يجري في سوريا هو مجرد سلسلة من الجرائم الفردية، أم أنه يعكس أزمة طائفية أعمق؟ الروايات المتضاربة حول أحداث حمص تزيد من تعقيد المشهد، وتجعل من الصعب تحديد الطبيعة الحقيقية لهذه الأحداث.

من جهة، تؤكد الحكومة السورية أن الجريمة ذات طابع جنائي، وأنها تعمل على معاقبة الجناة. ومن جهة أخرى، يرى البعض أن الجريمة تحمل أبعادًا طائفية، وأنها تعكس استياءً متراكمًا بين الطوائف المختلفة. الأمن في سوريا يواجه تحديات كبيرة في ظل هذه الظروف.

مستقبل الاحتجاجات والتحديات القادمة

من الواضح أن الاحتجاجات في سوريا تعكس حالة من الغليان الشعبي، وتطالب بتغييرات جذرية في نظام الحكم. ومع استمرار الاعتقالات وتصاعد التوترات الطائفية، فإن مستقبل هذه الاحتجاجات يبقى مجهولاً.

التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة السورية هو كيفية التعامل مع هذه الاحتجاجات بشكل سلمي وقانوني، مع مراعاة حقوق المتظاهرين وحريتهم في التعبير عن مطالبهم. كما يجب عليها أن تعمل على معالجة الأسباب الجذرية للاحتجاجات، وعلى بناء الثقة بين جميع الطوائف والمكونات السورية. الوضع يتطلب حوارًا وطنيًا شاملاً يهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية وإرساء أسس دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان.

في الختام، تشكل الاحتجاجات في سوريا تطورًا هامًا يستدعي المتابعة والتحليل الدقيق. إن نجاح الحكومة السورية في التعامل مع هذه الاحتجاجات بشكل حكيم ومسؤول سيعتمد على قدرتها على الاستماع إلى مطالب الشعب، وعلى بناء الثقة بين جميع المكونات السورية، وعلى تحقيق العدالة والمساواة للجميع. ندعو إلى الحوار والتسامح والعمل المشترك من أجل بناء مستقبل أفضل لسوريا وشعبها.

شاركها.
اترك تعليقاً