أصبح التريند جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، مؤثرًا بشكل متزايد على قراراتنا وسلوكياتنا. حذر استشاري الطب النفسي الدكتور رشاد السنونسي من التأثير العميق لهذه الظاهرة على اختياراتنا، مؤكدًا أنها لم تعد مجرد اتجاهات عابرة بل أصبحت مرجعًا عاطفيًا يؤثر على جوانب متعددة من حياتنا، بما في ذلك القرارات الشرائية وتشكيل الذوق العام. وقد أثار هذا التحذير نقاشًا واسعًا حول مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية والاجتماعية.

جاءت تصريحات الدكتور السنونسي خلال مداخلة له في برنامج “يا هلا” على قناة روتانا خليجية، حيث أوضح أن التريندات أصبحت تؤثر على القرارات اليومية للأفراد، ليس فقط في مجال الاستهلاك، بل أيضًا في تشكيل القيم والمعتقدات. وأشار إلى أن هذا التأثير يمتد ليشمل حتى مفهوم الجمال والقيمة، مما يثير تساؤلات حول مدى أصالة اختياراتنا في ظل هذا التأثير المتزايد.

تأثير التريند على الدماغ والقرارات الشرائية

وفقًا للدكتور السنونسي، فإن العقل البشري يميل بشكل طبيعي إلى تفضيل ما يتكرر أمامه، وهذا ما تستغله التريندات بشكل فعال. فالتكرار المستمر لمنتج أو فكرة معينة يجعلها أكثر جاذبية في نظر المتلقي، ويترك أثرًا عميقًا في الدماغ. هذا الأثر يؤدي إلى تغيير في الذوق والشعور بالقيمة، بل وقد يغير في القناعات الأساسية للفرد.

آلية التأثير النفسي

يعمل التريند على تفعيل مناطق معينة في الدماغ مرتبطة بالمكافأة والمتعة، مما يخلق شعورًا إيجابيًا تجاه المنتج أو الفكرة المرتبطة به. هذا الشعور الإيجابي يدفع الفرد إلى الرغبة في الحصول على المنتج أو تبني الفكرة، حتى لو لم يكن هناك حاجة حقيقية لذلك. بالإضافة إلى ذلك، يلعب عامل التقليد الاجتماعي دورًا هامًا في هذا التأثير، حيث يميل الأفراد إلى تقليد سلوكيات الآخرين، خاصةً إذا كانوا يعتبرونهم مؤثرين أو قدوة.

التسويق عبر المؤثرين وتشكيل الرأي العام

أصبح التسويق عبر المؤثرين أداة قوية في تشكيل الرأي العام وتوجيه القرارات الشرائية للمستهلكين. فظهور منتج معين مع أحد المؤثرين يمنحه مصداقية أكبر في نظر الجمهور، ويزيد من احتمالية شرائه. ومع ذلك، يجب على المستهلكين أن يكونوا حذرين من هذا النوع من التسويق، وأن لا يعتمدوا بشكل كامل على آراء المؤثرين، بل أن يقوموا بتقييم المنتج بأنفسهم قبل اتخاذ قرار الشراء.

بالإضافة إلى التأثير على القرارات الشرائية، يمكن أن تؤثر التريندات أيضًا على جوانب أخرى من حياتنا، مثل الموضة، والموسيقى، وحتى السياسة. فالتكرار المستمر لفكرة معينة في وسائل الإعلام يمكن أن يؤدي إلى ترويجها وتعميمها، حتى لو كانت غير صحيحة أو ضارة.

ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن التريندات يمكن أن تكون لها جوانب إيجابية، حيث يمكن أن تساهم في نشر الوعي حول قضايا مهمة، وتشجيع الابتكار والإبداع. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد التريند المتعلق بالصحة النفسية في كسر حاجز الصمت حول هذا الموضوع، وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة إذا كانوا يعانون من مشاكل نفسية.

في المقابل، يشير خبراء التسويق الرقمي إلى أن الشركات تستغل هذه الظاهرة بشكل متزايد لزيادة مبيعاتها وتعزيز علاماتها التجارية. ويؤكدون على أهمية فهم آليات عمل التريندات واستخدامها بشكل فعال في استراتيجيات التسويق.

تتزايد المخاوف بشأن تأثير التريندات على الصحة النفسية للأفراد، خاصةً الشباب. فالتعرض المستمر لصور مثالية وغير واقعية يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالنقص والدونية، وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق. كما أن الضغط من أجل مواكبة التريندات يمكن أن يسبب التوتر والإرهاق.

تشير التقارير الحديثة إلى أن هناك حاجة إلى زيادة الوعي حول مخاطر التريندات، وتعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الأفراد، حتى يتمكنوا من اتخاذ قرارات مستنيرة ومستقلة. من المتوقع أن تقوم وزارة الإعلام بتنظيم حملات توعية حول هذا الموضوع في الفترة القادمة، بالتعاون مع خبراء الصحة النفسية ووسائل الإعلام.

من المرجح أن يستمر تأثير التريندات في النمو في المستقبل، مع استمرار تطور وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة انتشارها. ومع ذلك، فإن مدى هذا التأثير سيعتمد على قدرة الأفراد على تطوير مهارات التفكير النقدي والوعي الذاتي، وعلى جهود الحكومات والمؤسسات التعليمية في تعزيز هذه المهارات.

شاركها.
اترك تعليقاً