في نوفمبر الماضي، تحولت رحلة عادية للسيدة لوبيز عبر مطار بوسطن لوغان إلى كابوس، لتكشف عن وجه جديد لإجراءات الهجرة الأمريكية الأكثر صرامة. لم تكن المشكلة في جواز سفرها الهندوراسي الذي استخدمته بنجاح في إجراءات الأمن، بل في بطاقة الصعود إلى الطائرة التي رفضت العمل. هذه الحادثة ليست معزولة، بل هي جزء من برنامج سري بدأته إدارة ترامب، ويهدف إلى تعقب وترحيل المهاجرين غير النظاميين داخل المطارات الأمريكية، مما يثير جدلاً واسعاً حول حقوق الإنسان وأمن المسافرين. هذا المقال سيتناول تفاصيل هذا البرنامج، وتأثيره على حياة الأفراد، والانتقادات الموجهة إليه، مع التركيز على قضية ترحيل المهاجرين من المطارات الداخلية.

برنامج الترحيل السري في المطارات الأمريكية

بدأ هذا البرنامج بهدوء في مارس الماضي، كجزء من جهود أوسع لزيادة التعاون بين الوكالات الفدرالية وتنفيذ سياسة الرئيس ترامب القائمة على أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة. يعتمد البرنامج على تزويد إدارة الهجرة والجمارك بمعلومات حول المسافرين الذين يمرون عبر المطارات الداخلية. تقوم إدارة أمن النقل (TSA) بتقديم قوائم أسبوعية تتضمن أسماء هؤلاء المسافرين، مما يسمح لإدارة الهجرة بإرسال عملاء لاعتقال وترحيل الأفراد الذين لديهم أوامر ترحيل معلقة.

تفاصيل العمليات وأرقام الاعتقالات

الوثائق التي حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز تكشف أن هذا الإجراء أدى إلى اعتقال فوري للعديد من الأفراد، بما في ذلك الطالبة الجامعية آني لوسيا لوبيز بيلوزا. وبحسب مسؤول سابق في إدارة الهجرة، فإن حوالي 75% من الحالات التي تم الإبلاغ عنها من خلال البرنامج أسفرت عن اعتقالات. هذه النسبة العالية تشير إلى فعالية البرنامج في استهداف وترحيل الأفراد المطلوبين.

تأثير البرنامج على أمن المطارات وسلاسة الإجراءات

يثير هذا التعاون بين أمن المطارات ووكالة الهجرة مخاوف بشأن تأثيره على أمن المطارات وسلاسة الإجراءات. يرى البعض أن تخصيص موارد إضافية للاعتقالات قد يشتت الانتباه عن المهام الأمنية الأساسية، مما يؤدي إلى زيادة أوقات الانتظار للركاب وتعطيل حركة السفر. بالإضافة إلى ذلك، قد يخلق البرنامج جواً من الخوف وعدم الثقة بين المسافرين.

قصة آني لوبيز: ضحية البرنامج

قصة آني لوبيز هي مثال صارخ على تأثير هذا البرنامج على حياة الأفراد. كانت لوبيز في طريقها إلى تكساس، حيث كانت تخطط لقضاء عطلة عيد الشكر مع عائلتها. لم تكن لديها أي فكرة عن وجود أمر ترحيل بحقها، وكانت تعيش في الولايات المتحدة بشكل قانوني. عندما حاولت الصعود إلى الطائرة، تم إبلاغها من قبل عملاء فيدراليين بأنها سترافقهم لملء بعض الأوراق، لتكتشف بعد ذلك أنها ستُرحّل إلى هندوراس.

ردود الفعل والانتقادات

أثارت قضية لوبيز غضباً واسعاً وانتقادات حادة للبرنامج. يعتبره نشطاء حقوق المهاجرين محاولة لتخويف وترويع المجتمعات المهاجرة، وإجبارهم على مغادرة البلاد. وقالت روبين بارنارد، المديرة العليا للدفاع عن اللاجئين في منظمة “حقوق الإنسان أولاً”: “هذه محاولة أخرى لترويع ومعاقبة المجتمعات، وستجعل الناس خائفين من مغادرة منازلهم خوفًا من الاحتجاز غير العادل والاختفاء خارج البلاد قبل أن تتاح لهم فرصة الطعن في الاحتجاز”.

وجهة نظر الإدارة الأمريكية

تدافع وزارة الأمن الداخلي عن البرنامج، مؤكدة أنه يهدف إلى تطبيق قوانين الهجرة بشكل فعال. وقالت تريشيا ماكلاكلين، المتحدثة باسم الوزارة: “الرسالة لأولئك الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني واضحة: السبب الوحيد الذي يجعلك تسافر هو لترحيل نفسك إلى الوطن”. ويرى مؤيدو البرنامج أنه ضروري لاستعادة النظام وضمان احترام قوانين الهجرة.

المخاوف بشأن تأثير البرنامج على المجتمع

على الجانب الآخر، يرى معارضو البرنامج أنه قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع. حيث تشير كلير تريكلر ماكنولتي، مسؤولة سابقة في وكالة الهجرة، إلى أن البرنامج قد يضع ضغطاً إضافياً على النظام، ويؤدي إلى تأخيرات وتعقيدات في المطارات. بالإضافة إلى ذلك، قد يدفع الأفراد الذين ليسوا متأكدين من وضعهم القانوني إلى تجنب السفر الجوي، مما يؤثر على حياتهم اليومية ويقلص المساحة التي يشعرون فيها بالأمان. الترحيل القسري يترك أثراً مدمرًا على الأسر والمجتمعات.

دور مكتب كاليفورنيا في البرنامج

تُظهر الوثائق أن مكتباً لوكالة الهجرة في كاليفورنيا، يُعرف باسم مركز الاستجابة التنفيذية في المحيط الهادي، يلعب دوراً رئيسياً في إدارة البرنامج. يقوم هذا المكتب بإرسال بلاغات إلى ضباط الهجرة في جميع أنحاء البلاد، ويطلب من السجون المحلية احتجاز المهاجرين. غالباً ما يرسل المكتب عدة بلاغات يومياً، تتضمن معلومات حول رحلات المسافرين، وأحياناً صورهم.

حالات أخرى مماثلة

في أواخر أكتوبر الماضي، تم اعتقال مارتا بريزيدا رينديروس ليفا، وهي امرأة من السلفادور، في مطار مدينة سولت ليك. أظهر فيديو الاعتقال السيدة ليفا وهي تصرخ بينما يسحبها الضباط خارج المطار. وكشفت السجلات الداخلية أن معلومات رحلة السيدة ليفا تم الإبلاغ عنها أيضاً من قبل مكتب كاليفورنيا. هذه الحالات تؤكد أن الاعتقالات في المطارات ليست مجرد استثناء، بل هي جزء من استراتيجية أوسع.

مستقبل البرنامج وتأثيره على الهجرة

من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستواصل تنفيذ هذا البرنامج بنفس الطريقة التي اتبعتها إدارة ترامب. ومع ذلك، فإن البرنامج يمثل تحولاً كبيراً في سياسة الهجرة الأمريكية، ويشير إلى استعداد الحكومة لتبني إجراءات أكثر صرامة لتعقب وترحيل المهاجرين غير النظاميين. سيكون من المهم مراقبة تأثير هذا البرنامج على حقوق الإنسان وأمن المسافرين، والنظر في بدائل أكثر إنسانية وفعالية. النقاش حول سياسات الهجرة في الولايات المتحدة مستمر، وهذا البرنامج يمثل نقطة تحول جديدة في هذا النقاش.

في الختام، يثير برنامج الترحيل السري في المطارات الأمريكية تساؤلات مهمة حول التوازن بين تطبيق قوانين الهجرة وحماية حقوق الإنسان. قصص مثل قصة آني لوبيز تسلط الضوء على التأثير المدمر لهذا البرنامج على حياة الأفراد والأسر. من الضروري إجراء حوار مفتوح وصادق حول هذه القضية، والبحث عن حلول تضمن معاملة عادلة وإنسانية لجميع المهاجرين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version