في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها قطاع غزة، وتحديداً بعد حرب الإبادة الإسرائيلية، سطعت شعلة الأمل والإصرار بتخرج دفعة جديدة من الأطباء المتخصصين. يوم أمس، شهد مجمع الشفاء الطبي، الذي دمرته الحرب، احتفالاً بتخريج 168 طبيباً وطبيبة حاصلين على شهادة “البورد الفلسطيني”. هذا الحدث يمثل انتصاراً للروح الإنسانية وعزيمة الكوادر الطبية الفلسطينية، ويؤكد على استمرار الحياة رغم الدمار. هذا المقال يسلط الضوء على هذا الإنجاز الهام، والتحديات التي واجهت الأطباء، ورسالة الأمل التي يحملونها. تخريج أطباء غزة هو قصة صمود تستحق أن تُروى.

مشهد التخرج في قلب الدمار: إصرار على الحياة

الحفل، الذي أُطلق عليه اسم “فوج الإنسانية”، لم يكن مجرد احتفال بتخرج دفعة من الأطباء، بل كان رسالة تحدٍ للعالم. إقامة هذا الحدث داخل باحات مجمع الشفاء المدمر، الذي كان يوماً صرحاً طبياً شامخاً، يعكس الإصرار الفلسطيني على الاستمرار في بناء المستقبل، حتى في أصعب الظروف.

الأطباء المتخرجون أقسموا اليمين القانونية أمام الحضور، مؤكدين التزامهم بأخلاقيات المهنة، ومواصلة رسالتهم الإنسانية في خدمة شعبهم. هذا الالتزام يكتسب معنى أعمق في ظل النقص الحاد في الخدمات الطبية، والوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة.

“فوج الإنسانية”: رمز للتحدي والصمود

اختيار اسم “فوج الإنسانية” للحفل لم يكن عشوائياً. فهو يرمز إلى الدور الإنساني الذي يلعبه الأطباء في تخفيف معاناة المرضى والجرحى، وإعادة الأمل إلى قلوب المنكوبين. هؤلاء الأطباء لم ينتظروا تحسن الظروف لكي يبدأوا عملهم، بل عملوا بجد وإخلاص خلال الحرب، وقدموا الرعاية الطبية للمحتاجين، رغم المخاطر والتحديات.

الكوادر الطبية: بين القصف والتعليم المستمر

وكيل وزارة الصحة بغزة، يوسف أبو الريش، وصف الخريجين بأنهم “تخرجوا من رحم المعاناة، ومن تحت القصف، وبين الأنقاض وشلال الدماء”. هذه الكلمات تعبر عن الواقع المرير الذي عاشه الأطباء خلال فترة التدريب، حيث كانوا يواجهون الموت في كل لحظة، ويضطرون إلى العمل في ظروف لا إنسانية.

ومع ذلك، لم يمنعهم ذلك من مواصلة التعليم والتخصص، بل كانوا “يداوون الجراح بيد، ويقلبون صفحات العلم باليد الأخرى”، كما أشار أبو الريش. هذا التفاني في العمل والعلم يمثل نموذجاً يحتذى به، ويؤكد على أن الفلسطينيين قادرون على تحقيق المستحيل، مهما كانت الظروف. الوضع الصحي في غزة يتطلب جهوداً مضاعفة من هؤلاء الأطباء.

إعادة بناء القطاع الصحي: مهمة الأطباء الجدد

الدكتور محمد أبو سلمية، المدير الطبي لمجمع الشفاء، أكد أن الاحتلال الإسرائيلي حاول تدمير الإنسان الفلسطيني، باعتباره رأس المال الحقيقي، لكنه فشل في ذلك. وأضاف أن الكوادر الطبية ستعيد بناء ما دُمّر من مستشفيات، وستعمل على توفير الرعاية الطبية اللازمة لجميع المواطنين.

هذه المهمة ليست سهلة، فهي تتطلب جهوداً كبيرة، وموارد مالية ولوجستية ضخمة. ومع ذلك، فإن الأطباء المتخرجين على استعداد لتحمل المسؤولية، والعمل بجد وإخلاص من أجل تحقيق هذا الهدف. تأهيل الأطباء هو خطوة أساسية في عملية إعادة الإعمار.

رسالة أمل من قلب غزة

الدكتور أحمد باسل، رئيس قسم في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي، قال إن حصوله هو وزملائه على درجات علمية متقدمة، من بينها شهادة الدكتوراه، يحمل رسالة واضحة مفادها أن الفلسطينيين “يحبون الحياة، وماضون في استكمال مشوارهم العلمي والسعي للحصول على درجات علمية أعلى رغم كل الظروف”.

هذه الرسالة هي بمثابة طاقة إيجابية تبعث الأمل في نفوس الجميع، وتؤكد على أن الفلسطينيين لن يستسلموا لليأس، بل سيواصلون النضال من أجل تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.

تكريم الشهداء وتأكيد الالتزام

شهدت الفعالية إحياء ذكرى الأطباء والعاملين في القطاع الصحي الذين استشهدوا خلال الحرب. وُضعت صورهم على كراسي المنصة، في لفتة وفاء لتضحياتهم. هذا التكريم يذكرنا بالثمن الباهظ الذي دفعه العاملون في القطاع الصحي من أجل إنقاذ حياة الآخرين.

الوضع الإنساني والصحي في غزة: نظرة عامة

يأتي هذا التخريج في ظل أوضاع صحية وإنسانية بالغة التعقيد في قطاع غزة، نتيجة الاستهداف المتكرر للمرافق الطبية، والنقص الحاد في الإمكانات، واستمرار الضغط غير المسبوق على المستشفيات والطواقم الصحية. الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، خلفت نحو 71 ألف شهيد وأكثر من 171 ألف جريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء.

على الرغم من وقف إطلاق النار الهش، لا يزال الوضع في غزة صعباً للغاية. هناك حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتوفير الرعاية الطبية اللازمة للمرضى والجرحى.

في الختام، تخريج أطباء غزة هو إنجاز تاريخي يبعث الأمل في قلوب الفلسطينيين، ويؤكد على أنهم قادرون على تجاوز التحديات، وبناء مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة. ندعو المجتمع الدولي إلى دعم جهود إعادة الإعمار، وتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة، وضمان حقوق الفلسطينيين في الحياة والكرامة. شارك هذا المقال لنشر هذه القصة الملهمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version