في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتطور القدرات العسكرية، يواصل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون جهوده الحثيثة لتعزيز ترسانة بلاده. آخر هذه الجهود تمثلت في توجيهات صارمة لتوسيع وتحديث إنتاج الصواريخ خلال العام المقبل، في خطوة تؤكد على استمرار بيونغ يانغ في تطوير برنامجها العسكري. هذا التوجه يأتي بالتزامن مع تعزيز التعاون العسكري مع روسيا، وتصاعد الانتقادات الموجهة للتحركات العسكرية الأمريكية والكورية الجنوبية في المنطقة.
توجيهات كيم جونغ أون لتحديث الصناعات العسكرية
خلال زيارة لمصانع الذخيرة رافقه فيها كبار المسؤولين، أصدر كيم جونغ أون توجيهات واضحة بضرورة إنشاء مصانع ذخيرة إضافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للقوات الصاروخية والمدفعية. وأكد على أهمية تحديث الهياكل التشغيلية للمصانع الحالية وتعزيز طاقتها الإنتاجية، مشدداً على أن قطاع إنتاج الصواريخ والقذائف يشكل “أهمية قصوى في تعزيز قوة الردع”.
هذه التصريحات تأتي في أعقاب زيارة لمصنع متخصص في بناء غواصات نووية، حيث وصف مشروع الغواصة النووية بأنه “أحد أهم مشروعات الأسلحة” لديه، واطلع على خطة لإعادة تنظيم القوات البحرية وتطوير “أسلحة سرّية جديدة تحت الماء”.
اختبارات صاروخية ودفاع جوي متطورة
لم تتوقف جهود كوريا الشمالية عند هذا الحد، فقد أشرف كيم جونغ أون الأربعاء على إطلاق تجريبي لنوع جديد من صواريخ الدفاع الجوي بعيدة المدى وعالية الارتفاع فوق بحر اليابان. وأفادت الوكالة الرسمية أن الصواريخ أصابت أهدافاً وهمية على ارتفاع 200 كيلومتر، مما يعكس التقدم الذي أحرزته بيونغ يانغ في مجال أنظمة الدفاع الجوي.
وتأتي هذه الاختبارات في سياق تصاعد وتيرة التجارب الصاروخية التي تشهدها كوريا الشمالية في السنوات الأخيرة، والتي يرى المحللون أنها تهدف إلى تحسين الدقة، وتحدي الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، فضلاً عن اختبار أنظمة قد تُصدّر لاحقاً إلى دول أخرى.
تعزيز التعاون العسكري مع روسيا
يشكل التعاون العسكري مع روسيا ركيزة أساسية في استراتيجية كوريا الشمالية لتعزيز قدراتها العسكرية. فقد وصلت إلى كيم جونغ أون رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، وصف فيها العلاقة بين البلدين بأنها “صداقة لا تقهر”.
وشدد بوتين على أن مشاركة الجنود الكوريين الشماليين في منطقة كورسك تُعدّ “بطولية” و”دليلاً عملياً على متانة التحالف”، مؤكداً أن بنود المعاهدة الدفاعية الموقعة بين الطرفين في 2024 لم تعد “حبراً على ورق”، بل تُطبّق عبر “العمل المشترك”.
وتشير التقديرات الاستخباراتية إلى نشر بيونغ يانغ آلاف الجنود في روسيا، إلى جانب تزويد موسكو بقذائف مدفعية وأنظمة صواريخ بعيدة المدى. ومع ذلك، أعلنت كوريا الشمالية عن مقتل بعض جنودها أثناء تنفيذ مهام إزالة ألغام في كورسك، بينما تقدر سيول أن نحو ألفي جندي كوري شمالي قُتلوا، وأصيب آلاف آخرون. هذا التعاون العسكري يثير قلقاً متزايداً في الأوساط الدولية، ويُعدّ عاملاً مؤثراً في ديناميكيات الأمن الإقليمي.
ردود الفعل على التحركات العسكرية الإقليمية
لم تفوت كوريا الشمالية فرصة انتقاد التحركات العسكرية الأخرى في المنطقة. فقد انتقدت وسائل الإعلام الرسمية دخول غواصة أمريكية تعمل بالطاقة النووية إلى ميناء كوري جنوبي، واعتبرته “تصعيداً للتوتر العسكري”. كما وصفت توجه كوريا الجنوبية لامتلاك غواصات نووية بأنه “انتهاك خطير لأمنها وسيادتها البحرية”، وأشارت إلى أن اليابان تظهر نوايا مماثلة لامتلاك أسلحة نووية بتشجيع من سيول.
هذه الانتقادات تعكس حساسية كوريا الشمالية تجاه أي تحركات عسكرية تعتبرها تهديداً لأمنها القومي، وتؤكد على سعيها الدائم للحفاظ على توازن القوى في المنطقة.
مؤتمر حزبي حاسم في بداية عام 2026
من المقرر أن يعقد حزب العمال الكوري الحاكم مؤتمراً أوائل عام 2026، وهو الأول من نوعه منذ خمس سنوات، لبحث خطط التنمية الاقتصادية والعسكرية للسنوات الخمس المقبلة. وسيتضمن المؤتمر مراجعة التقدم المحرز في تنفيذ الأهداف السابقة، واعتماد أهداف جديدة تُوجّه سياسة الحزب خلال المرحلة القادمة.
وتشير المعلومات إلى أن كوريا الشمالية قد تستفيد من الخبرة التكنولوجية المكتسبة عبر تبادل الأسلحة مع روسيا لتحديث مصانعها التقليدية إلى منشآت رقمية وآلية، في خطوة تهدف إلى رفع كفاءة الإنتاج وتعزيز الاعتماد على التكنولوجيا في الصناعة الدفاعية. هذا التحول التكنولوجي قد يمثل نقطة تحول في قدرات كوريا الشمالية العسكرية والاقتصادية.
في الختام، يمكن القول أن كوريا الشمالية تواصل مسيرتها نحو تعزيز قدراتها العسكرية، مع التركيز بشكل خاص على تطوير الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي. هذا التوجه يأتي في سياق تعزيز التعاون العسكري مع روسيا، وتصاعد التوترات الإقليمية. من المتوقع أن يشكل المؤتمر الحزبي المقبل فرصة لرسم ملامح المرحلة القادمة، وتحديد الأهداف الاستراتيجية التي ستوجه سياسة كوريا الشمالية في السنوات الخمس المقبلة. لمتابعة آخر التطورات، يمكنكم زيارة موقع يورونيوز للحصول على تغطية شاملة وموثوقة.



