أظهرت دراسات حديثة، وأكدت خبيرة الاقتصاد د. ميعاد القرشي، أن الحالة النفسية للفرد تلعب دوراً محورياً في تحديد القرارات الشرائية اليومية. وأشارت القرشي، خلال مشاركتها في برنامج “يا هلا” على قناة روتانا خليجية، إلى أن الشعور بالعزلة والوحدة قد يدفع الأفراد إلى اتخاذ قرارات شراء غير مبررة، مما يؤثر سلباً على ميزانيتهم الشخصية. هذا التأثير يزداد حدة مع تراجع العلاقات الاجتماعية.
جاءت هذه التصريحات في سياق مناقشة العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك، وتحديداً في ظل الظروف الاجتماعية المتغيرة. وقد لفتت القرشي إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة، ولكنها قد تفاقمت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد الاعتماد عليها كبديل للعلاقات الإنسانية المباشرة. وتعتبر هذه القضية ذات أهمية خاصة في دول الخليج، حيث تشكل الإنفاقات الاستهلاكية جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي.
تأثير العزلة النفسية على القرارات الشرائية
أوضحت د. القرشي أن الوحدة والعزلة تخلقان فراغاً عاطفياً يسعى الأفراد لملئه بطرق مختلفة، بما في ذلك التسوق. فالمنتجات والخدمات غالباً ما تُقدم على أنها حلول لهذه المشاعر السلبية، مما يجعلها أكثر جاذبية للأشخاص الذين يعانون من الوحدة. هذا ما يعرف بـ “التسويق العاطفي” الذي يستغل حاجة الإنسان للارتباط والشعور بالسعادة.
زيادة الاشتراكات والخدمات الترفيهية
أشارت الخبيرة إلى أن الأفراد الذين يعيشون في عزلة يميلون إلى الاشتراك في خدمات الترفيه المنزلي، مثل خدمات البث التلفزيوني والموسيقى، بالإضافة إلى خدمات توصيل الطعام والمنتجات الأخرى. هذه الاشتراكات، على الرغم من أنها قد تبدو غير مكلفة على المدى القصير، يمكن أن تتراكم وتؤدي إلى زيادة كبيرة في النفقات الشهرية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يلجأ الأفراد إلى شراء سلع غير ضرورية أو التوجه نحو العلامات التجارية الفاخرة كوسيلة لتعزيز شعورهم بالتقدير الذاتي أو للتعويض عن نقص الدعم الاجتماعي. هذا السلوك يمكن أن يؤدي إلى الديون وتدهور الوضع المالي.
وتشير الأبحاث في مجال علم النفس الاستهلاكي إلى أن التسوق يمكن أن يوفر شعوراً مؤقتاً بالراحة والتحكم، خاصة في أوقات التوتر والقلق. ولكن هذا التأثير قصير الأمد، وقد يؤدي إلى تفاقم المشاعر السلبية على المدى الطويل.
من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي نقص التفاعل الاجتماعي إلى تقليل الوعي بالنفقات، حيث يميل الأفراد إلى عدم مقارنة الأسعار أو البحث عن بدائل أرخص. وهذا يفتح الباب أمام الشركات لاستغلال هذه الحالة من خلال تقديم عروض وخصومات مغرية قد لا تكون في الواقع الأفضل للمستهلك.
تتزايد أهمية فهم هذه العلاقة بين الصحة النفسية والإنفاق الاستهلاكي، خاصة مع تزايد معدلات الوحدة والعزلة في المجتمعات الحديثة. وتعتبر هذه القضية جزءاً من نطاق أوسع يتعلق بـالسلوك الاستهلاكي والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية على قرارات الأفراد.
وتشير بعض الدراسات إلى أن جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من قيود على الحركة والتواصل الاجتماعي قد ساهمت في زيادة هذه الظاهرة. فقد أدى الحجر الصحي والعزل الاجتماعي إلى تفاقم مشاعر الوحدة والقلق لدى الكثيرين، مما دفعهم إلى زيادة الإنفاق على السلع والخدمات الترفيهية.
في المقابل، يمكن أن يكون للعلاقات الاجتماعية القوية تأثير إيجابي على القرارات الشرائية. فالأفراد الذين يتمتعون بشبكة دعم اجتماعي قوية يميلون إلى أن يكونوا أكثر وعياً بإنفاقهم وأقل عرضة للتسوق العاطفي. كما أنهم قد يستفيدون من النصائح والتوجيهات التي يقدمها لهم أصدقاؤهم وأفراد عائلاتهم.
وتعتبر هذه القضية مرتبطة أيضاً بمفهوم الرفاهية النفسية، حيث أن الشعور بالسعادة والرضا عن الحياة يمكن أن يقلل من الحاجة إلى التسوق كآلية للتكيف مع المشاعر السلبية. لذلك، فإن الاستثمار في الصحة النفسية وتعزيز العلاقات الاجتماعية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الاستقرار المالي للأفراد.
من المتوقع أن تستمر هذه الظاهرة في جذب اهتمام الباحثين والخبراء الاقتصاديين، خاصة مع استمرار التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة. وستركز الدراسات المستقبلية على تحديد العوامل التي تزيد من خطر التسوق العاطفي، ووضع استراتيجيات لمساعدة الأفراد على اتخاذ قرارات شراء أكثر وعياً ورشادة. كما سيتم متابعة تأثير السياسات الحكومية والبرامج الاجتماعية على الصحة النفسية والإنفاق الاستهلاكي.















