في تطور مفاجئ هزّ الأوساط السياسية في غرب أفريقيا، أعلنت السلطة العسكرية في غينيا بيساو عن تشكيل حكومة جديدة، عقب فترة من الاضطرابات السياسية والانقلاب الذي أطاح بالرئيس عمر سيسوكو إمبالو. هذه الأحداث تثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في البلاد، وتضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ جديد. هذا المقال سيسلط الضوء على تفاصيل الانقلاب في غينيا بيساو، وتشكيل الحكومة الجديدة، والاتهامات المتبادلة التي تحيط بهذه الأحداث، بالإضافة إلى ردود الفعل الإقليمية والدولية.

تشكيل الحكومة الجديدة: مزيج من العسكريين والمدنيين

في يوم السبت، كشفت السلطة العسكرية في غينيا بيساو عن قائمة بـ 28 عضوًا يشكلون الحكومة الجديدة. اللافت في هذه التشكيلة هو الغالبية العظمى من أعضائها من المدنيين، في محاولة ظاهرة لإضفاء شرعية على الحكم العسكري. ومع ذلك، لا يزال الجيش يحتفظ بنفوذ كبير من خلال تمثيله بـ 5 ضباط كبار في الحكومة.

تم تعيين اللواء ماماساليو إمبالو وزيرًا للداخلية، بينما تولى اللواء ستيف لاسانا مانسالي حقيبة الدفاع. ويعكس هذا التعيين استمرار سيطرة الجيش على المناصب الأمنية الرئيسية في البلاد. كما شملت الحكومة الجديدة أربع نساء، وهو ما يعتبر خطوة إيجابية نحو تحقيق التوازن بين الجنسين، على الرغم من أن ذلك يأتي في ظل ظروف سياسية غير مستقرة.

خلفيات الانقلاب واتهامات بالفساد والتهريب

الجيش برر انقلابه، الذي وقع في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، بأنه ضروري “لحماية الأمن القومي وإعادة النظام”. وادعى العسكريون أن هناك مؤامرة لزعزعة استقرار البلاد، وأن “بارونات المخدرات” متورطون فيها. غينيا بيساو، الواقعة على طريق تهريب المخدرات بين أمريكا اللاتينية وأوروبا، تعاني منذ سنوات من مشكلة تهريب المخدرات، ويعتقد البعض أن الفساد المستشري داخل السلطة مرتبط بهذه الشبكات.

ولكن، هذه الرواية الرسمية واجهت شكوكًا واسعة من قبل المعارضين وخبراء المنطقة. يرى الكثيرون أن الرئيس المخلوع إمبالو ربما يكون قد دبر بنفسه عملية الإطاحة لمنع المسار الانتخابي الذي كان يهدد موقعه. هذا الاحتمال يلقي بظلال من الشك والريبة على دوافع الجيش الحقيقية. الأزمة السياسية في غينيا بيساو ازدادت تعقيدًا بهذا الاتهام.

ردود الفعل الإقليمية والدولية: “انقلاب صوري”؟

الجدل تصاعد بشكل أكبر مع تصريحات الرئيس النيجيري الأسبق، غودلاك جوناثان، الذي كان يراقب الانتخابات الأخيرة في غينيا بيساو. وصرح جوناثان بأن ما حدث هو “انقلاب صوري” رتبه الرئيس المخلوع إمبالو نفسه، معربًا عن خيبة أمله من هذه الممارسات التي أصبحت شائعة في أفريقيا. “إنها مسرحية أخرجها إمبالو، ونحن في أفريقيا سئمنا من هذه الممارسات”، هكذا وصف الأمر.

في غضون ذلك، أفادت تقارير عن تعرض مقرات الأحزاب المعارضة للتخريب، واعتقال زعيم المعارضة، دومينغوس سيمويش بيريرا، وهو من أبرز خصوم إمبالو. كما أكد المرشح المعارض فرناندو دياز أنه نجا من محاولة اعتقال، وأنه يقيم حاليًا في “مكان آمن”. هذه الأحداث تشير إلى حملة قمع محتملة ضد المعارضة السياسية.

مغادرة الرئيس المخلوع وتعيين رئيس وزراء جديد

بعد الانقلاب، غادر الرئيس المخلوع عمر سيسوكو إمبالو البلاد برفقة أسرته وعدد من المقربين، وذلك عبر رحلة خاصة وفرتها له السلطات السنغالية. وقد وصل إمبالو إلى العاصمة الكونغولية برازافيل، حيث يقيم حاليًا.

في الوقت نفسه، نصب الجيش اللواء هورتا إنتا رئيسًا للمرحلة الانتقالية لمدة عام. وقام اللواء إنتا بتعيين إلِيديو فييرا تي رئيسًا للوزراء ووزيرًا للمالية، داعيًا حكومته إلى مواجهة الفساد والحد من نفوذ شبكات تهريب المخدرات. هذا التحدي يمثل أولوية قصوى للحكومة الجديدة، حيث أن الفساد والتهريب يعيقان التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

مستقبل غينيا بيساو: بين الحكم العسكري والتطلعات الديمقراطية

الوضع في غينيا بيساو يظل غير واضح ومحفوفًا بالمخاطر. تشكيل الحكومة الجديدة لا يعني بالضرورة استقرار الوضع السياسي، خاصة وأن الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المختلفة مستمرة. المجتمع الدولي يراقب عن كثب التطورات في البلاد، ويطالب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أقرب وقت ممكن.

من المهم أن يتم التحقيق في الاتهامات المتعلقة بالفساد والتهريب، وأن يتم تقديم المسؤولين المتورطين إلى العدالة. كما يجب على الحكومة الجديدة أن تضمن احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن تفرج عن جميع المعتقلين السياسيين.

في الختام

تُعد الأحداث الجارية في غينيا بيساو بمثابة صفعة للديمقراطية في غرب أفريقيا. الانقلاب وتشكيل الحكومة الجديدة يثيران مخاوف جدية بشأن مستقبل البلاد. يبقى الأمل معلقًا على قدرة الأطراف المختلفة على التوصل إلى حل سياسي يضمن السلام والاستقرار والازدهار لغينيا بيساو وشعبها. تحتاج البلاد إلى دعم دولي مكثف للمساعدة في تحقيق هذه الأهداف، ولبناء مؤسسات ديمقراطية قوية قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية. نأمل أن تشهد غينيا بيساو عودة سريعة إلى المسار الديمقراطي، وأن يتمكن شعبها من تحديد مصيره بحرية وكرامة.

شاركها.
اترك تعليقاً