في ظل تصاعد التوترات السياسية والضغوطات الخارجية، اتخذت السلطة الفلسطينية قرارًا مثيرًا للجدل بتقطيع رواتب عائلات الشهداء والأسرى، وتحويلها إلى ما يسمى بـ “مؤسسة تمكين”. هذا القرار، الذي صدر في نوفمبر الماضي، أثار موجة غضب واسعة النطاق في الأوساط الفلسطينية، وأثار ردود فعل قوية من مختلف فصائل المقاومة. يركز هذا المقال على تفاصيل هذا القرار، ردود الأفعال عليه، والخلفيات السياسية التي أدت إليه، مع التركيز على مصير رواتب الشهداء والأسرى.
قرار قطع الرواتب: تفاصيل وخلفيات
أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرارًا بقانون يلغي منظومة الاستحقاق القائمة على صفة الأسير أو الشهيد أو الجريح. وبدلاً من ذلك، تم استبدالها بنظام “بحث اجتماعي موحد” يحدد الاستحقاق بناءً على معيار الاحتياج فقط، متجاهلاً سنوات السجن أو طبيعة الإصابة أو الشهادة.
هذا يعني أن عائلات الشهداء والأسرى لن تتلقى بعد الآن رواتب ثابتة بناءً على فقدانهم أو معاناة أحبائهم. بل سيتم تقييم احتياجاتهم المالية من خلال عملية بحث اجتماعي، مما يثير مخاوف بشأن الشفافية والعدالة في توزيع المساعدات.
بالإضافة إلى ذلك، ينص المرسوم على نقل برنامج المساعدات النقدية وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى “المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي”. هذه المؤسسة، التي تعنى بمكافحة الفقر، تفتقر إلى مصادر تمويل ثابتة، مما يثير تساؤلات حول قدرتها على تلبية احتياجات عائلات الشهداء والأسرى بشكل فعال.
ردود فعل الفصائل الفلسطينية
أعربت فصائل المقاومة الفلسطينية عن رفضها القاطع لقرار قطع رواتب الشهداء والأسرى. واعتبرت الفصائل في بيان مشترك أن هذه الخطوة تمثل “انحدارًا أخلاقيًا، وسقوطًا وطنيًا وقيميًا، وخطيئة لا تغتفر”.
كما اعتبرت الفصائل أن القرار يمثل استجابة فاضحة للإملاءات الخارجية، وخضوعًا واضحًا لسياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي. وحذرت من أن هذا القرار سيعمق الانقسام الفلسطيني ويقوض جهود المصالحة الوطنية.
حركة الجهاد الإسلامي وصفت القرار بـ “الجائر” و”المتماهي مع إملاءات الاحتلال”، واعتبرته جريمة سياسية وأخلاقية. حركة المجاهدين الفلسطينية أكدت أن القرار يمثل “رضوخًا للضغوط الأميركية والإسرائيلية وتخليا عن القضايا الوطنية الأصيلة”.
وطالبت الفصائل السلطة الفلسطينية بالتراجع الفوري عن هذا القرار، والعودة إلى العمل بالأنظمة السابقة التي تضمن حقوق عائلات الشهداء والأسرى.
الضغوطات الخارجية وتأثيرها على القرار
لا يمكن فهم قرار قطع رواتب الشهداء والأسرى بمعزل عن الضغوطات السياسية والاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل على السلطة الفلسطينية.
إسرائيل تحتجز شهريًا أكثر من 52 مليون شيكل (حوالي 15 مليون دولار) من إيرادات السلطة منذ عام 2019، وهي قيمة ما تدفعه السلطة من مخصصات لعائلات الأسرى والشهداء. هذا الحجز يمثل ضغطًا كبيرًا على ميزانية السلطة، ويدفعها إلى البحث عن حلول بديلة لتوفير الموارد المالية.
بالإضافة إلى ذلك، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على السلطة الفلسطينية لوقف دفع الرواتب لعائلات الأسرى، وتعتبر هذه الرواتب “تحريضًا على الإرهاب”.
تداعيات القرار على الساحة الفلسطينية
من المتوقع أن يكون لقرار قطع رواتب الشهداء والأسرى تداعيات سلبية واسعة النطاق على الساحة الفلسطينية.
أولاً، سيؤدي القرار إلى تفاقم الأوضاع المعيشية لعائلات الشهداء والأسرى، الذين يعتمدون على هذه الرواتب لتلبية احتياجاتهم الأساسية. ثانيًا، سيثير القرار غضبًا شعبيًا واسع النطاق، وقد يؤدي إلى احتجاجات ومواجهات مع قوات الأمن الفلسطينية.
ثالثًا، سيقوض القرار الثقة بين الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، ويعزز الشعور بالإحباط واليأس. رابعًا، سيؤدي القرار إلى زيادة الانقسام الفلسطيني، وتقويض جهود المصالحة الوطنية.
مستقبل ملف الأسرى والشهداء
يبقى مستقبل ملف الأسرى والشهداء الفلسطينيين مجهولاً في ظل هذه التطورات. من الواضح أن السلطة الفلسطينية تواجه ضغوطًا هائلة من الخارج، وأنها تحاول إيجاد حلول وسط ترضي جميع الأطراف.
ومع ذلك، فإن تجاهل حقوق الأسرى والشهداء وعائلاتهم لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الفلسطينية، وتقويض فرص تحقيق السلام العادل والدائم. يجب على السلطة الفلسطينية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه شعبها، وأن تدافع عن حقوق الأسرى والشهداء، وأن ترفض الإملاءات الخارجية التي تهدد الأمن والاستقرار الفلسطينيين.
إن دعم الأسرى وعائلاتهم يمثل جزءًا أساسيًا من النضال الفلسطيني المستمر من أجل الحرية والكرامة. ويجب على المجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤوليته في حماية حقوق الفلسطينيين، وضمان حصولهم على العدالة والكرامة.















