وسط أكبر هجوم إسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة منذ الانتفاضة الثانية، تجد مدينة جنين ومخيمات اللاجئين القريبة منها نفسها مرة أخرى في بؤرة الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

وتحاصر قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين، التي يسكنها ما يقرب من 50 ألف شخص، كجزء من هجوم أوسع شهد شن هجمات على جنين ونابلس وطوباس وطولكرم، وأدى حتى الآن إلى استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة كثيرين آخرين. وتم منع الوصول إلى المستشفيات بحواجز ترابية، بينما حاصرت قوات الاحتلال المرافق الطبية الأخرى.

لقد كانت جنين النقطة المحورية للتوغلات العسكرية الإسرائيلية عدة مرات من قبل، والتي على مدى تاريخ طويل من الاعتداءات العسكرية -على حد تعبير زيد الشعيبي الناشط الفلسطيني في مجال حقوق الإنسان في الضفة الغربية للجزيرة- “مثل غزة على نطاق أصغر. لا ترى الطرق لأنها مدمرة. البنية التحتية.. نظام الصرف الصحي والكهرباء وأنابيب المياه وشبكات الاتصالات تضررت”.

الاقتحامات المتكررة

فمن الاعتداء الحالي إلى أعمال العنف التي شهدتها الانتفاضة الثانية بين عامي 2000 و2005، نادرا ما كانت جنين بعيدة عن أسوأ ما في العاصفة التي لا تزال تجتاح الضفة الغربية.

ويعتقد أن مخيم اللاجئين في جنين يأوي نحو 14 ألف شخص، جميعهم تقريبا من نسل الفلسطينيين الذين جردوا من أراضيهم ومنازلهم عند إنشاء الكيان الإسرائيلي في عام 1948. والظروف في المخيم يائسة. ومن بين المخيمات العشرة المنتشرة في الضفة الغربية المحتلة، تعاني جنين من أعلى معدلات البطالة والفقر، وفقا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا).

وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي، استشهد 10 فلسطينيين خلال هجوم إسرائيل على مخيم جنين، وخلال هجماتها المتكررة، تقوم القوات الإسرائيلية بتدمير أحياء بأكملها، بدعوى أنها تؤوي مقاتلين. وقال نشطاء لقناة الجزيرة إن المدنيين يعاقبون في هذه العملية بالقتل أو الاعتقال أو التشريد.

في أبريل/نيسان من عام 2002، شنت إسرائيل هجوما كبيرا على مخيم جنين، اشتبكت خلاله قوات المشاة الإسرائيلية وقوات الكوماندوز وطائرات المروحية الهجومية مع مسلحين بأسلحة خفيفة وأفخاخ محلية الصنع عبر المخيم المدني، في رد أدانته جماعات حقوق الإنسان لاحقا باعتباره “غير متناسب”.

وفي ذلك العام استشهد 52 فسلطينيا، نصفهم من المدنيين، بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في وقت لاحق من ذلك العام، في مقابل مقتل 23 جنديا إسرائيليا.

المقاومة و”الموت بفخر”

وتتواجد عدة جماعات مسلحة في جنين، بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تدير قطاع غزة، والجناح العسكري لحركة التحرير الفلسطينية (فتح) التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ويتواجد في المخيم مقاتلون يعملون تحت مظلة كتيبة جنين.

وترى الخبيرة في شؤون إسرائيل وفلسطين في مجموعة الأزمات الدولية، تهاني مصطفى، في تصريح للجزيرة أن هذه الجماعات في جنين بدأت كآلية دفاع مجتمعي، لذا كلما زادت الهجمات الإسرائيلية العنيفة وكلما أصبحت أكثر منهجية، كبرت هذه الجماعات، بحسب قولها.

وقالت إن الشباب الذين ينضمون إلى هذه الجماعات يردون على الاحتلال الإسرائيلي ويشعرون بخيبة أمل تجاه السلطة الفلسطينية، التي تدير الضفة الغربية المحتلة، ويعتبرها العديد من الفلسطينيين أداة مساعدة لإسرائيل.

وقال الناشط الفلسطيني الشعيبي لقناة الجزيرة إن فرصة “الموت بفخر”، أدت إلى انضمام المزيد من الشباب إلى صفوف المقاومة، وأضاف أن عائلات الشهداء -حتى لو كانوا يشعرون بالألم- يفهمون سبب تورط إخوانهم أو أبنائهم أو أفراد آخرين من عائلاتهم في هذا الأمر حتى لو لم يكونوا أعضاء من المقاومة، فهم مستهدفون”.

جنين في منظور الإسرائيليين

وينعكس موقع جنين في الخيال الشعبي الإسرائيلي كمركز للمقاومة غالبا في برلمان البلاد، الكنيست. ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، في أعقاب عملية عسكرية جرت قبل الفجر في جنين، دافع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن الجنود الإسرائيليين الذين استخدموا مكبر الصوت في أحد المساجد لبث الأغاني الدينية اليهودية إلى السكان القريبين.

وفي يونيو/حزيران من العام نفسه، بعد المزيد من التوغلات في المنطقة، دعا وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إلى الانتشار العسكري الكامل في البلدة، بما في ذلك الدبابات والقوات الجوية، بعد إصابة 7 جنود إسرائيليين أثناء القتال هناك. وقتلت القوات الإسرائيلية 4 فلسطينيين في تلك العملية.

وبحسب أوري غولدبرغ، المحلل السياسي المقيم في تل أبيب، فإن الجمهور الإسرائيلي اعتاد على رؤية نفسه على أنه الضحية ولهذا فهو يفشل في تصور جنين كمخيم للاجئين.

وقال إن “القضايا الإنسانية والمحنة الفلسطينية لا تهم الإسرائيليين حقا. إنك تسمع تعبيرات مثل عش الإرهاب وغيرها من التعبيرات اللاإنسانية عن جنين أكثر مما تسمعه في أي مكان آخر”.

وأضاف غولدبرغ أنه نتيجة لذلك جزئيا، تزايد الوجود العسكري الإسرائيلي بمعدل أعلى حول مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم منذ بداية الحرب على غزة مقارنة بأي مكان آخر.

وتابع: “إنها جزء من نفس الدورة”، موضحا كيف أدت المقاومة المسلحة في جنين إلى الرد الافتراضي بين المشرعين الإسرائيليين والجمهور بـ”أوه، جنين. هذا سيئ. يجب أن نفعل شيئا”، قبل أن يتم إطلاق دعوات للعمل العسكري وتقديم تفاصيل عن أي اتهام.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.