استيقظ الأتراك على أخبار تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي تزعم فيها أن هناك محاولة انقلاب جديدة تصدت لها الجهات المعنية بقوة، تلتها عمليات اعتقال في العاصمة أنقرة.
وشملت الاعتقالات 3 مديري شرطة بأنقرة، في أعقاب شهادة سرّية أدلى بها أحد المتهمين في قضية مافيا طالت اعترافاته مسؤولين سياسيين حاليين وسابقين.
جاء ذلك بعد استدعاء الرئيس رجب طيب أروغان كلًا من رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالن ووزير العدل يلماز تونتش، لاجتماع طارئ في القصر الرئاسي في العاصمة بعد منتصف الليل.
موقع (صباح) المقرّب من الحكومة التركية، نشر تقريرًا مفصّلًا عن أن هناك عملية شُنت ضد منظمة “أيهان بورا كابلان”، وكذلك كشف عن فضيحة أفراد الشرطة الموقوفين عن العمل.
وذكر الصحفي الشهير عبد الرحمن شيمشك أنه تتم متابعة 280 شخصًا بينهم سياسيون وصحفيون رفيعو المستوى.
وصباح الأربعاء، توعّد وزير الداخلية علي يارلي كايا من يتعاونون مع المنظمات الإرهابية وأذرعها، وكذلك منظمة “فتح الله غولن”.
وكتب على منصة “إكس”: “من يتحدون مع المنظمات الإرهابية وامتداداتها، وشبكات الجريمة المنظمة، ويحاولون تنفيذ لعبة على رئيسنا وحكومتنا وسياسيينا، باستخدام تكتيكات جماعة غولان الإرهابية، وبدعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا سوف ندمّر ألعابهم والفخاخ التي نصبوها”.
الحديث عن مؤامرة ضد الرئيس أردوغان أشار إليها أيضًا رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي في كلمته أمام نواب حزبه، حين أكد أن هناك مؤامرة تستهدف تحالف حزب العدالة والتنمية وحزبه، مضيفًا أنهم لن يستسلموا لمحاولة انقلاب عن طريق الأمن والقضاء، على غرار تلك المحاولة التي حدثت في ديسمبر/كانون الأول 2013.
قضية غير مفهومة
الباحث في الشأن التركي محمود علوش أكد للجزيرة مباشر أن هناك حلقات لا تزال غير مفهومة في هذه القضية، خصوصًا فيما يتعلق بالشاهد السرّي وتحركاته.
وأضاف “سيتعين علينا انتظار التحقيقات، لكن طبيعة المزاعم والشخصيات التي يشملها التحقيق وتصريحات أردوغان وبهشلي بخصوصها تشير إلى أننا أمام قضية ذات أبعاد سياسية كبيرة ومن الواضح أنها مصممة لتوريط سياسيين كبار من الحزب الحاكم في نشاط المنظمات الإجرامية”.
وأشار إلى أن “التاريخ السياسي في تركيا خلال العقدين الماضيين شهد قضايا مشابهة ونُظر إليها على أنها نتيجة مؤامرات لتقويض حكم الرئيس أردوغان، ولا ينبغي التقليل من قدرة الهياكل الموازية داخل الدولة على القيام بمثل هذه المؤامرات بالنظر إلى تغلغلها العميق في مؤسسات الأمن والقضاء”.
لكن مدير تحرير موقع (ديلي صباح) باتوهان طاكيش نفى أن يكون ما حدث هو انقلاب، موضحًا “يمكننا أن نقول إن هناك أزمة سياسية داخلية قوية داخل جهاز الدولة، مما دفع التحالف الحاكم والأكاديميين ووسائل الإعلام إلى الحديث عنها في العلن”.
وأضاف طاكيش للجزيرة مباشر “تدور الأحاديث بشكل عام عن محاولة ضد السلطة الديمقراطية في البلاد، بمعنى آخر، محاولة خططت لها مجموعة غير معروفة حتى الآن من الأشخاص الذين يسعون إلى تحقيق بعض المصالح السياسية أو يعملون من أجل الفوضى السياسية”.
رسائل مبطّنة
ولفت الكاتب محمود علوش إلى أن هذه القضية برزت عشية الذكرى الثامنة لمحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة تشير إلى أن نفوذ الهياكل الموازية داخل الدولة لا يزال قادرًا على التحرك لإرباك السياسة الداخلية رغم حملة التطهير الواسعة التي قامت بها الحكومة في مؤسسات الدولة منذ تلك الفترة.
من جانبه، قال طاكيش إن “الشعب التركي سئم من الانقلابات التي شهدتها البلاد في العهود الماضية، لذلك فإن مثل هذه المحاولات، إذا كانت هناك محاولة انقلاب جديدة، لا يمكن أن تحقق أهدافها أبدًا، وإن الدولة استطاعت حتى الآن احتواءها”.
وأضاف “ورغم أننا لا نعرف شيئًا عن الليلة الماضية، إلا أنه يمكننا القول إن عصر الانقلابات أو المحاولات الشبيهة بالانقلابات قد انتهى في البلاد”.
لكن الكاتب التركي إسماعيل يشا يختلف مع طاكيش إذ يرى أن ما حدث يؤكد أن محاولات الانقلاب في تركيا لم تنتهِ وخطرها ما زال قائمًا، على الرغم من عملية التطهير الواسعة التي تمت داخل الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات والقضاء من أعضاء منظمة غولن في صيف 2016.
وحذّر من أن هناك خلايا ما زالت نائمة تابعة لجماعة غولن أو جماعات أخرى تسير في ذات الاتجاه وتستخدم أساليب مشابهة، يمكن أن تجدد المحاولات الانقلابية.
ماذا سيفعل أردوغان؟
الكاتب محمود علوش يرى أن أردوغان لن يتردد في التعامل القوي مع هذه القضية والمتورطين فيها ومحاسبة المسؤولين في التقصير المحتمل بالنظر إلى خطورتها، إلا أن طاكيش أكد أنه لا يمكن التنبؤ حاليًا بأي نتائج للتحقيقات في هذه القضية، لكن الأكيد أن الشعب لن يسمح بزعزعة الأمن والاستقرار الذي تعيشه البلاد.