في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة، تتشابك المصالح السياسية والاقتصادية في سوريا، لتصبح ساحة صراع بين القوى الكبرى. وبينما يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رؤيته لاستقرار سوريا وتوقيع اتفاق أمني ثلاثي الأطراف بينها وبين إسرائيل، تتصاعد التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل هذا البلد المضطرب. هذا المقال يتناول هذه التطورات، ويحلل دوافع الأطراف المعنية، ويستشرف السيناريوهات المحتملة، مع التركيز على الوضع في سوريا وتأثيره على المنطقة.
ترامب وإصراره على الاستقرار: رؤية أمريكية جديدة؟
يؤكد الرئيس ترامب باستمرار على أهمية تحويل سوريا إلى دولة مزدهرة ومستقرة، معتبراً أن ذلك يصب في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها. وقد أعرب عن استيائه من التوغلات الإسرائيلية المتكررة، مشيراً إلى أنها تعيق التوصل إلى اتفاق أمني شامل بين سوريا وإسرائيل، بل وتحول دمشق إلى خصم محتمل. ويُظهر ترامب رضاه عن أداء الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، في إشارة إلى رغبته في التعامل مع قيادة دمشق الحالية.
وتشير التقارير إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص، توم براك، قد أجرى مشاورات مكثفة، وإن كانت متوترة، مع المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بشأن الملف السوري. هذه المشاورات تعكس محاولة واشنطن لإعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة، والبحث عن حلول سياسية واقتصادية بديلة للتدخل العسكري المباشر.
نتنياهو و”مبادئه”: تحدٍ للرؤية الأمريكية
في المقابل، يتبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفاً أكثر تشدداً، حيث يصر على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين دمشق والحدود الإسرائيلية في جنوب سوريا. ويؤكد نتنياهو، الذي يواجه اتهامات جنائية، أنه لن يتخلى عن الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد، وأن أي اتفاق مع سوريا يجب ألا يمس “مبادئ” تل أبيب.
ويرى المحلل السياسي جوشوا لاندس أن هذا التجاهل الإسرائيلي لرغبات ترامب يعود إلى شعور نتنياهو بالقوة، وإدراكه بأن سوريا لا تشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل. في الوقت نفسه، يدرك ترامب أهمية نتنياهو في معركته الانتخابية، خاصةً لكسب تأييد مؤيدي إسرائيل داخل الولايات المتحدة.
دوافع متضاربة: تحالفات ترامب في المنطقة
يسعى ترامب إلى مساعدة سوريا كجزء من خطة أوسع لتعزيز تحالفاته مع تركيا والمملكة العربية السعودية. إلا أنه في الوقت نفسه، يواجه ضغوطاً من نتنياهو لتحقيق مكاسب أخرى، مثل الحصول على موافقة على صفقة مقاتلات “إف-35” مع أنقرة والرياض، بالإضافة إلى تأمين دعم إسرائيل في قضايا أخرى، بما في ذلك الوضع في غزة.
هذا التوازن الدقيق بين المصالح المتضاربة يدفع ترامب إلى محاولة إقناع نتنياهو، بدلاً من الضغط عليه، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار الوضع الراهن في سوريا. ويعتقد لاندس أن ترامب سيطلب من نتنياهو توقيع اتفاق أمني مع سوريا خلال زيارته لواشنطن، لكنه لن يجبره على ذلك.
هل ينجح ترامب في إجبار نتنياهو؟ وجهات نظر مختلفة
لا يتفق الكاتب والمحلل السياسي السوري ياسر النجار مع هذا التقييم. ويرى النجار أن ترامب عازم على إلزام نتنياهو باتفاق أمني مع سوريا، على غرار ما فعله في غزة. ويعزو هذا الإصرار إلى رغبة ترامب في جعل سوريا “رأس حربة في مكافحة الإرهاب”، ومنع عودة الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية وإيران وحزب الله إلى البلاد. ويؤكد النجار أن إسرائيل لا يمكن أن تتمتع بحرية الحركة في سوريا دون موافقة أمريكية.
في المقابل، يرى الدكتور مهند مصطفى، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن سوريا لم تعد تمثل تهديداً أمنياً لإسرائيل منذ حرب 1973. ويشير إلى أن انصياع نتنياهو لترامب يتضاءل مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية. ويؤكد أن نتنياهو يحاول إفشال أي اتفاق في سوريا أو لبنان، وحتى اتفاق غزة، بسبب اعتبارات داخلية بحتة. ويعتقد مصطفى أن ترامب نفسه لم يفهم بشكل كامل ما تريده إسرائيل في سوريا.
مستقبل سوريا: بين الضغوط الإقليمية والدولية
يبدو أن ترامب كان يأمل في أن يحتل نتنياهو منطقة عازلة في جنوب سوريا، مما يجبر دمشق على توقيع اتفاق أمني بشروطه. لكن نتنياهو يسعى الآن إلى فرض رؤيته الخاصة لشكل سوريا الجديدة، بما في ذلك نزع سلاح المنطقة الحدودية.
لتحقيق ذلك، قد يحتاج ترامب إلى ممارسة ضغوط أكبر على نتنياهو، وربما تقديم تنازلات أخرى، مثل العفو الرئاسي في قضايا الفساد المرفوعة ضده. وبالتالي، فإن الوضع في سوريا يظل معقداً وغير مؤكد، ويتأثر بشكل كبير بالتطورات السياسية الداخلية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن مستقبل سوريا السياسية يتوقف على قدرة الأطراف المعنية على إيجاد أرضية مشتركة، والتوصل إلى حلول سياسية واقتصادية مستدامة. ويتطلب ذلك حواراً بناءً، وتنازلات متبادلة، والتزاماً حقيقياً بتحقيق الاستقرار والازدهار في هذا البلد الذي عانى طويلاً من الحرب والدمار.
هل ستنجح جهود ترامب في تحقيق الاستقرار في سوريا؟ وما هو الدور الذي ستلعبه إسرائيل في هذا المسعى؟ شارك برأيك في التعليقات!















