في الوقت الذي يستعد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة الولايات المتحدة نهاية الشهر الجاري، تواصل حكومته توسيع عمليات الاستيطان والضم في الضفة الغربية المحتلة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية وإمكانية تحقيق حل الدولتين. هذه السياسات الإسرائيلية المتصاعدة، والتي تتضمن هدم المنازل واعتقال الفلسطينيين، تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي في المنطقة وتقويض أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

تصعيد الاستيطان في الضفة الغربية: محاولة لفرض “الأمر الواقع”

في آخر تطورات الأوضاع الميدانية، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من المداهمات في مدن الضفة الغربية مثل أريحا وطوباس ونابلس والخليل ورام الله، أسفرت عن اعتقال العشرات من الفلسطينيين وهدم منازلهم. يأتي هذا بالتزامن مع قرار الحكومة الإسرائيلية بمنح رموز بلدية لثماني بؤر استيطانية عشوائية، في خطوة تهدف إلى تقنينها ودمجها بشكل كامل في الأراضي المحتلة. بالإضافة إلى ذلك، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن تخصيص ميزانيات ضخمة لتعزيز الاستيطان وتوسيع البنية التحتية الاستيطانية.

هذه الإجراءات تُظهر عزم الحكومة الإسرائيلية على فرض سياسة “الأمر الواقع” في الضفة الغربية، وهو ما يثير قلقًا بالغًا لدى الفلسطينيين والمجتمع الدولي. الخطر الأكبر يكمن في محاولة إلغاء الوجود الفلسطيني في المنطقة، وتحويل المدن والبلدات والمخيمات إلى جزر معزولة ومحاصرة داخل بحر من المستوطنات الإسرائيلية.

هل بات حل الدولتين مستحيلاً؟

يرى الباحث السياسي الفلسطيني الدكتور عادل شديد أن حكومة نتنياهو، التي تخضع لتحقيق من المحكمة الجنائية الدولية، تستغل الحرب في غزة لتعزيز مشروعها القومي في الضفة الغربية. ويوضح أن الهدف هو “إلغاء الوجود الفلسطيني مقابل تعزيز الوجود الإسرائيلي”، وهو ما يتجلى في محاولات السيطرة على ثلثي مساحة الضفة الغربية وربط المستوطنات الإسرائيلية ببعضها البعض، مع تفكيك البنية التحتية الفلسطينية. هذا الواقع يجعل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية أمرًا مستحيلاً من الناحية العملية.

الاستيطان كعائق رئيسي

الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية يُعدّ أكبر عقبة أمام تحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية. فقد أدى إلى مصادرة آلاف الدونومات من الأراضي الفلسطينية، وتشريد العديد من العائلات، وتقويض التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. الوضع الحالي يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية لا تزال تواصل بناء المستوطنات وتوسيعها، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.

وجهات نظر دولية متباينة حول الاستيطان

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الدولية بول ديفيز أن حل الدولتين لا يزال ممكنًا، وأن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بهذا الحل. ويعتقد أن إسرائيل تسعى فقط للحصول على ضمانات أمنية، وأن الخارجية الأمريكية تعمل على وقف عمليات الاستيطان وضمان هذه الضمانات من خلال تعزيز صلاحيات السلطة الفلسطينية. ويقترح ديفيز منح الضفة الغربية حكمًا ذاتيًا مشابهًا للوضع في غزة، بحيث تتمكن السلطة الفلسطينية من ممارسة صلاحياتها بشكل كامل.

شكوك حول جدية الموقف الأمريكي

لكن الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، يعرب عن شكوكه حول جدية الموقف الأمريكي. ويشير إلى أن واشنطن لم تتخذ أي خطوات ملموسة لوقف ضم الضفة الغربية، بل سمحت لإسرائيل ببناء 22 مستوطنة وإقامة 122 بؤرة استيطانية جديدة خلال فترة الحرب. كما يذكر البرغوثي بأن إسرائيل صادرت 32% من أراضي الضفة الغربية وهجرت 62 تجمعًا سكانيًا، وفرغت الحكم الذاتي للسلطة من مضمونه، دون أي موقف أمريكي جاد.

الاستيطان والانتخابات الأمريكية

الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن تأتي في ظل استعدادات الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية. ويرى البعض أن هذه الزيارة تهدف إلى التأثير على الرأي العام الأمريكي، والحصول على دعم إضافي من الرئيس دونالد ترامب، الذي يُعرف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل. لكن من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيغير من سياسته تجاه القضية الفلسطينية، أو ما إذا كان سيضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان.

مستقبل الضفة الغربية: هل هناك أمل في حل الدولتين؟

مع استمرار الاستيطان وتصاعد التوترات في المنطقة، يبدو مستقبل الضفة الغربية غامضًا. العديد من المراقبين يعتقدون أن حل الدولتين أصبح بعيد المنال، وأن البديل الوحيد هو إيجاد حلول جديدة ومبتكرة تضمن حقوق الفلسطينيين وتنهي الاحتلال الإسرائيلي. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف المعنية، وجهودًا دولية مكثفة للضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان والالتزام بالقانون الدولي. الاستيطان يظل التحدي الأكبر الذي يواجه أي محاولة لتحقيق السلام في المنطقة. القضية الفلسطينية تحتاج إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. حل الدولتين، على الرغم من التحديات، لا يزال يمثل الخيار الأكثر واقعية لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

ختامًا، الوضع في الضفة الغربية يتطلب متابعة دقيقة وتحليلًا معمقًا. من الضروري أن يظل المجتمع الدولي على اطلاع دائم بالتطورات الميدانية، وأن يتخذ خطوات فعالة لحماية حقوق الفلسطينيين ومنع تفاقم الأزمة. نأمل أن تؤدي زيارة نتنياهو لواشنطن إلى حوار بناء ومثمر، وأن تساهم في إيجاد حلول مستدامة للقضية الفلسطينية.

شاركها.
اترك تعليقاً