في قلب العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، شهدت القارة الأفريقية حدثًا تاريخيًا يمثل نقطة تحول في مسيرة التعاون الجنوبي – الجنوبي، وهو أول ندوة شبابية أفريقية ماليزية تحت شعار “شراكة الشباب من أجل الازدهار المشترك.” هذا المنتدى، الذي جمع طاقات شابة واعدة من إفريقيا وماليزيا، لم يكن مجرد لقاء تبادل للخبرات، بل كان إعلانًا عن رؤية مستقبلية تستند إلى التحرر الفكري، والشراكات الاستراتيجية، والقيادة الشبابية لتحقيق التنمية المستدامة. هذا الحدث يعكس أهمية مشاركة الشباب في صياغة مستقبل القارتين، والبحث عن حلول مبتكرة للتحديات المشتركة.

إطلاق فعاليات الندوة: رسالة أمل وتغيير

انطلقت فعاليات الندوة بحضور رفيع المستوى يضم مسؤولين من الاتحاد الأفريقي، والحكومة الإثيوبية، بالإضافة إلى وفود شبابية من مختلف الدول الأفريقية، وعلّم بارز في مقدمتهم رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم. الهدف الرئيسي من هذا التجمع هو بناء جسور من الثقة والتعاون بين شباب القارتين، مع التركيز على القضايا السياسية والاقتصادية التي تمس مستقبلهم. تسعى المبادرة بشكل خاص إلى تحفيز القدرات الشابة في إفريقيا وتسريع وتيرة التقدم في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها.

“تحرير العقول”.. الدعوة الملحة لرئيس الوزراء الماليزي

ركز رئيس الوزراء أنور إبراهيم في كلمته الافتتاحية، التي حملت عنوان “جسر الحضارات وبناء المستقبل: تعزيز الشراكة الأفريقية الماليزية من أجل الازدهار”، على أهمية التحرر الفكري كشرط أساسي لتحقيق التنمية الحقيقية. وأكد أن التجارب التاريخية لأفريقيا، بما فيها من مقاومة للظلم وإعلاء لقيم الحرية والعدالة، تحمل دروسًا قيمة للعالم.

التخلص من العقلية الاستعمارية

لم يغفل إبراهيم عن التشديد على ضرورة التخلص من “العقلية الاستعمارية” التي قد تكون متأصلة حتى بعد انتهاء الاحتلال السياسي، مشيراً إلى أن بعض الدول في آسيا وأفريقيا لا تزال تنتهج سلوكيات المستعمِر أو المستعمَر، وهو ما يعيق تقدمها. وأضاف أن السلام والتنمية وجهان لعملة واحدة، وأن التحرر الفكري هو الضامن لتحقيق سلام دائم. هذه النقطة تحديدًا تعكس وعيًا عميقًا بالتحديات التاريخية التي تواجه القارتين، وأهمية معالجتها بشكل جذري.

أفريقيا: قوة ديموغرافية صاعدة

من جانبها، سلطت وزيرة المرأة والشباب الإثيوبية، إيرغوغ تيسفاي، الضوء على أهمية القوة الديموغرافية المتنامية في أفريقيا. وأوضحت أن القارة ستضم بحلول عام 2050 ما يقرب من 2.5 مليار نسمة، مما يجعلها محركًا أساسيًا للنمو العالمي. كما أشادت بتجربة ماليزيا الناجحة في التحول الاقتصادي وتطوير التعليم، معتبرة إياها نموذجًا يمكن أن تستلهم منه أفريقيا. التعاون في مجال التنمية الاقتصادية بين القارتين يمثل فرصة واعدة لتحقيق الاستفادة المتبادلة.

دور الاتحاد الأفريقي للشباب وتطلعات مستقبلية

الأمين العام للاتحاد الأفريقي للشباب، أحمد بنينغ ويسيشنغ، أكد على أن نجاح أي شراكة بين أفريقيا وماليزيا يعتمد بشكل كبير على إيمان الشباب بأهمية هذا التعاون. وشدد على أن الشراكة قادرة على خلق فرص عمل، وتحسين مستوى المعيشة، وتعزيز مكانة القارتين على الساحة الدولية. كما طالب بإحياء مؤسسة الشباب العالمية والجمعية العالمية للشباب، بما لهما من تاريخ طويل في دعم القضايا الشبابية.

الشباب.. قادة التغيير وصناع المستقبل

رئيس مجلس شباب إثيوبيا، فؤاد جينا، عبّر عن قناعته بأن العالم يشهد تحولات سريعة تتطلب قيادة شابة قادرة على مواكبة هذه التغيرات. وأكد أن الشباب ليسوا مجرد متفرجين، بل هم “مصمموا الحلول وقادة التغيير.”

من جانبه، استعرض رئيس مجلس شباب ماليزيا، محمد عزت عفيفي، قصة لجوء المسلمين الأوائل إلى الحبشة، مؤكدًا أن قيم العدل والتسامح التي تجسدت في تلك الفترة لا تزال تشكل أساسًا للعلاقات بين أفريقيا وماليزيا. وأضاف أن الشباب يمتلكون فرصًا هائلة في مجالات الابتكار الرقمي، والتكنولوجيا المتقدمة، والزراعة الحديثة، والدبلوماسية الثقافية، وريادة الأعمال. هذه المجالات تمثل نقاط قوة للشباب في القارتين، ويمكن أن تكون محركًا رئيسيًا للنمو والازدهار.

الشراكة الأفريقية الماليزية نحو آفاق أرحب

تعتبر هذه الندوة الشبابية بمثابة بداية لمرحلة جديدة من التعاون بين أفريقيا وماليزيا، مرحلة ترتكز على الشراكة الحقيقية، والتنمية المستدامة، والقيادة الشبابية. الاستفادة من الخبرات الماليزية في مجالات التعليم، والاقتصاد، والتكنولوجيا، إلى جانب استثمار القوة الديموغرافية والإمكانيات الهائلة في أفريقيا، يمكن أن يقود إلى تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز على تعزيز التبادل الثقافي وتشجيع الحوار بين الحضارات سيسهم في بناء جسور من الثقة والتفاهم بين شعبي القارتين. لتكون هذه الشراكة ناجحة، يجب العمل على إزالة العوائق التي تحول دون تحقيق التكامل الاقتصادي، وتوفير بيئة مواتية للاستثمار، وتشجيع ريادة الأعمال. الاستثمار في الشباب وتزويدهم بالمهارات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل هو المفتاح لتحقيق الازدهار المشترك.

لا تتردد في مشاركة هذه المقالة مع أصدقائك وزملائك المهتمين بمستقبل القارتين الأفريقية والآسيوية!

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version