تحوّلت “مسيرة الأعلام” التي نظمها المستوطنون في القدس بمناسبة ما يسمى “يوم توحيد المدينة”، إلى مظاهرة جماعية تمجد القتل وتحتفل بالإبادة الجماعية، في مشهد يعكس تصاعد التطرف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي.
هذا هو الوصف الذي أطلقته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في افتتاحيتها الصادرة صباح اليوم الأربعاء عن مسيرة المستوطنين الأخيرة، حيث سلطت الضوء على ما شهدته المسيرة هذا العام من مظاهر غير مسبوقة من التحريض والكراهية.
وردد المشاركون، بينهم مراهقون وشبان من التيار الديني القومي، شعارات صادمة، ورفعوا لافتات تكرّس خطاب الإبادة.
وقالت الصحيفة إن من بين أكثر الهتافات تكرارا: “الموت للعرب” و”محمد مات” و”لتحترق قريتك”، إضافة إلى أغنية جديدة تم تداولها على نطاق واسع هذا العام تقول كلماتها “لا توجد مدارس في غزة، لم يتبق أطفال هناك”، وهي -بحسب وصف الصحيفة- أغنية “عنصرية ومثيرة للاشمئزاز” تحمل إشارة صريحة للاحتفاء بموت الأطفال الفلسطينيين.
وتوقفت افتتاحية هآرتس عند ما وصفته بـ”الاحتفال العلني بالإبادة”، مشيرة إلى أن هذه الهتافات لا تُطلق في الخفاء أو على هامش الحدث، بل تُردد بصوت عالٍ في شوارع القدس بمرافقة الطبول والرقصات، وبمباركة قادة سياسيين من الصف الأول بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي وصفته الصحيفة بأنه “بطل المسيرة” و”ممثل رسمي لسياسة الموت العنصرية”.
ويأتي هذا الاستعراض في وقت لا تزال فيه إسرائيل ترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن مقتل عشرات آلاف المدنيين في قطاع غزة، منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينهم نحو 18 ألف طفل، وفق تقديرات منظمات إنسانية دولية.
وتضيف الصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية بدلا من أن تبدي أي ندم أو مراجعة، تسعى لتشكيك الجمهور في الحقائق الثابتة، إذ إن المؤسسة السياسية والإعلامية الرسمية تبرر هذه الجرائم على أنها “أضرار جانبية” أو “أخطاء مؤسفة”.
وتعلق الصحيفة على ذلك بالقول إن “مظاهر الاحتفال في مسيرة الأعلام تكشف أن هناك من يعتبر هذه الجرائم مصدر فخر واعتزاز”.
تمويل حكومي
كما أوردت الصحيفة ما قاله السياسي المعارض ورئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان قبل أيام بأن “الدولة العاقلة لا تقتل الأطفال كهواية”، في إشارة إلى ما يحدث في غزة، واعتبرت أنه لامس عصبا حساسا في إسرائيل.
ولفتت إلى أن ردود الفعل الغاضبة من اليمين على تصريحات غولان كشفت عن مدى التحسس من هذا النوع من الانتقادات، الذي يلامس “عصبا أخلاقيا مكشوفا” في المجتمع الإسرائيلي.
كما أشارت الصحيفة إلى لافتة ضخمة علّقتها منظمة “إم ترتسو” اليمينية المتطرفة، كُتب عليها “من دون النكبة لا يوجد نصر”، وهي عبارة ظهرت أيضا على قمصان العديد من المشاركين في المسيرة، في دعوة صريحة لإعادة إنتاج النكبة الفلسطينية، لا كواقعة تاريخية يُنكر حدوثها كما كان يفعل اليمين سابقا، بل كهدف سياسي يجب تحقيقه.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول “دولة عاقلة لا تحتفل بموت الأطفال، ولا تموّل مثل هذه المسيرات من ميزانية الحكومة والبلديات. إسرائيل اليوم لم تعد عاقلة، بل تبدو وكأنها فقدت عقلها كليا”.
يُذكر أن “مسيرة الأعلام” تُنظم سنويا في ذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس، ويشارك فيها آلاف المستوطنين من مختلف أنحاء إسرائيل، حيث يخترقون أزقة البلدة القديمة ويصلون إلى حائط البراق، في وقت تُغلق فيه الشوارع أمام الفلسطينيين، وتُفرض قيود مشددة على حركة السكان المقدسيين في يوم المسيرة.