انتشرت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي ادعاءات كاذبة حول رغبة مجتمع مسلم في مدينة نيويورك في جعل اللغة العربية لغة رسمية، وذلك عقب فوز زهران ممداني بمنصب العمدة. استندت هذه الادعاءات إلى مقطع فيديو مُضلل تم تداوله بشكل واسع، وهو ما استدعى تحقيقًا دقيقًا لكشف حقيقة الأمر. هذا المقال سيكشف تفاصيل هذا التحقيق ويُظهر كيف تم التلاعب بالمعلومات لخلق فتنة ونشر الكراهية.
حملة التضليل: كيف انتشرت شائعة اللغة العربية في نيويورك؟
بدأت الشرارة مع تداول فيديو قصير يظهر شخصًا متحدثًا عبر مكبر للصوت أمام حشد من الأشخاص. زعم المتحدث في الفيديو أن المسلمين في نيويورك لا يحتاجون إلى اللغة الإنجليزية وأنهم سيسعون لجعل اللغة العربية لغة رسمية في المدينة. سرعان ما انتشر الفيديو على منصتي “إكس” و”إنستغرام” بلغات مختلفة، مصحوبًا بتعليقات غاضبة واتهامات للمسلمين بالسعي إلى الهيمنة.
تصور البعض هذا الأمر على أنه “عقاب للغرب”، بينما أطلق آخرون اسم “نيويورك الشرق الأوسط” على المدينة، في إشارة إلى تحول مفترض في الهوية الثقافية. الجدير بالذكر أن هذه الادعاءات تزامن مع انتشار تغريدات من حسابات هندية، مرتبطة بتقارير إعلامية تزامنت مع تصريحات وزير الإعلام السعودي حول التعامل مع المتطرفين في أوروبا وأمريكا.
فريق “الجزيرة تحقق” يكشف زيف الفيديو
انطلق فريق “الجزيرة تحقق” في مهمة للتحقق من صحة هذه الادعاءات. ركز الفريق على تتبع مصدر الفيديو وتحليل محتواه بصريًا. اكتشفوا أن الفيديو الأصلي نُشر في البداية على منصة “إكس” من قبل حساب موثق، ولكن سرعان ما قامت حسابات هندية بنشر نسخ معدلة منه، أُضيفت إليها نصوص وشعارات مختلفة بهدف تضخيم الرواية المُضللة.
التحليل البصري: تفاصيل تكشف الزيف
أجرى الفريق تحليلًا بصريًا دقيقًا لموقع تصوير الفيديو. أشار التحليل إلى أن الفيديو يظهر مبنى شاهق يُعتقد أنه “إمباير ستيت”، إلا أن مقارنة الصور الحقيقية للمبنى كشفت عن اختلافات جوهرية في التفاصيل المعمارية. كما أثارت عدم وضوح الشعارات المكتوبة على اللافتات في الخلفية المزيد من الشكوك حول صحة الفيديو.
بالإضافة إلى ذلك، استخدم فريق “الجزيرة تحقق” خدمة “التجول الافتراضي” في “خرائط غوغل” وقام بمقارنة صور المباني في الخلفية مع تلك الموجودة في الفيديو. أظهرت المقارنة أن شكل المباني لا يتطابق مع الواقع.
الذكاء الاصطناعي يكشف الحقيقة: الفيديو مُزيف
استخدم فريق التحقق أدوات متخصصة في كشف المشاهد المولدة بالذكاء الاصطناعي، وأكدت النتائج أن الفيديو مُزيف. أظهر التحليل أن الفيديو جزء من حملة ممنهجة تهدف إلى تشويه صورة المسلمين في أمريكا واستغلال فوز زهران ممداني كذريعة للهجوم عليهم.
من هو زهران ممداني؟
زهران ممداني، العمدة الجديد لنيويورك، شخصية بارزة في المجتمع المحلي. يتقن عدة لغات، بما في ذلك الإنجليزية والسواحيلية والهندية، مما يساهم في قدرته على التواصل مع مختلف شرائح المجتمع. يُعرف ممداني بمواقفه النقدية تجاه سياسات إسرائيل، حيث وصف حربها على قطاع غزة بـ”الإبادة الجماعية”، ودعا إلى وقف تمويل الشرطة التي تتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي. هذا الموقف، بالتأكيد، لعب دورًا في استهداف الشخصيات المرتبطة به في هذه الحملة التضليلية.
الخلاصة: الحذر والتحقق قبل مشاركة المعلومات
أظهر هذا التحقيق كيف يمكن استخدام التلاعب بالمعلومات ونشر الشائعات لخلق الفتنة وإثارة الكراهية. من الضروري التحقق من صحة أي معلومة قبل مشاركتها، والاعتماد على مصادر موثوقة. في هذا السياق، فإن الادعاءات حول رغبة مجتمع مسلم في نيويورك في جعل اللغة العربية لغة رسمية هي ادعاءات كاذبة، تستند إلى فيديو مُفبرك يهدف إلى تشويه صورة المسلمين. يجب علينا جميعًا أن نكون حذرين ومسؤولين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأن نسعى إلى نشر الوعي ومكافحة التضليل.
نطالبكم بمشاركة هذا المقال لزيادة الوعي حول هذه القضية، والتحذير من انتشار الأخبار الكاذبة. شارك برأيك في التعليقات: ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمكافحة التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي؟















