جيل العقوبات: كيف يعيد الشباب الإيراني تشكيل مستقبله في ظل الحصار
منذ أكثر من أربعة عقود، أصبحت العقوبات الاقتصادية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في إيران. لكن وقعها يبدو أشد وضوحًا على جيل ولد ونشأ داخل هذا الواقع المعقد، جيل لم يعرف إيران إلا في ظل الضغوط والحصار. هذا الجيل، الذي يواجه تحديات غير مسبوقة في إيجاد فرص واعدة، يصارع بين رغبة في الهجرة وطموح في بناء مستقبل أفضل داخل وطنه، على الرغم من كل الصعاب. هذا المقال يسلط الضوء على قصص هؤلاء الشباب وكيف يتكيفون مع، ويعيدون تشكيل، مستقبلهم الاقتصادي.
تأثير العقوبات على طموحات الشباب الإيراني
تخلق العقوبات الاقتصادية بيئة اقتصادية خانقة تحد من الطموحات وتضيّق دائرة الفرص المتاحة. فالشباب الإيراني، المتعلم والطموح، يجد نفسه غالبًا في مواجهة واقع مرير يختلف تمامًا عن توقعاتهم. لم يعد الحصول على وظيفة تقليدية مضمونًا، ويصبح ريادة الأعمال خيارًا صعبًا بسبب القيود المفروضة على التجارة الدولية والوصول إلى التمويل.
هذا الجيل، على عكس أجيال ماضية، لم يشارك في تشكيل السياسات التي أدت إلى هذه العقوبات، لكنه يواجه العبء الأكبر من نتائجها. وتظهر هذه المعاناة في تزايد تفكير الشباب في الهجرة بحثًا عن فرص أفضل وحياة كريمة.
البحث عن بدائل: ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي
على الرغم من الظروف الصعبة، يرفض الكثير من الشباب الإيراني الاستسلام لليأس. يلجأ العديد منهم إلى ريادة الأعمال كمخرج للتغلب على القيود المفروضة. نرى ذلك جليًا في قصة مريم مظاهري، خريجة إدارة الأعمال التي اضطرت إلى تحويل شغفها اليدوي إلى مصدر رزق.
تحكي مريم: “كنت أطمح لإدارة مشروع تجاري كبير، ولكن العقوبات أجبرتني على البحث عن بدائل. وجدت في صناعة الفخار تحديًا وفرصة لإثبات نفسي. على الرغم من صعوبة البداية، تمكنت من إتقان هذه الحرفة، لكنني ما زلت أحلم بيوم تعود فيه إيران إلى الانفتاح على العالم.”
بالإضافة إلى ذلك، يمثل الاقتصاد الرقمي ملاذًا آمنًا للعديد من الشباب الإيراني. فعدم وجود شركات أجنبية في السوق المحلية دفعهم لاستكشاف عالم العملات الرقمية والتجارة الإلكترونية عبر الإنترنت.
يرى رسول رضائي، خريج الفلسفة والمنطق، أن هذا المجال يوفر منفذًا اقتصاديًا جديدًا، على الرغم من المخاطر التي تنطوي عليه. “العملات الرقمية تسمح لنا بالتواصل مع العالم الخارجي وتجاوز العقوبات المباشرة، ولكنها تتطلب مهارات ومعرفة متخصصة.”
إعادة تشكيل الطموحات: نحو مستقبل غير نمطي
لا يقتصر تأثير العقوبات الاقتصادية على خيارات العمل فحسب، بل يمتد ليشمل إعادة تشكيل طموحات جيل كامل. يؤكد الخبراء الاجتماعيون أن الحكومة الإيرانية حاولت التقليل من آثار الحصار، لكن الواقع كشف عن صدمات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة.
يشير تقي آزاد أرمكي، الخبير الاجتماعي، إلى أن المجتمع الإيراني أظهر قدرة ملحوظة على التكيف والابتكار في مواجهة هذه التحديات. “الشباب يجدون طرقًا خاصة بهم للتعامل مع الضغوط، مستخدمين مهاراتهم وإبداعهم في خلق فرص جديدة.”
الآثار النفسية والاجتماعية
بالأضافة الى التحديات الاقتصادية، يواجه الشباب الإيراني آثارًا نفسية واجتماعية نتيجة لسنوات من الحصار. الشعور بالإحباط واليأس، وفقدان الثقة في المستقبل، هما من بين المشاعر الشائعة التي يعاني منها هذا الجيل. يؤدي ذلك غالبًا إلى تفاقم مشاكل الصحة النفسية وزيادة معدلات الهجرة، مما يزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
الصمود والأمل: حلم إيران بلا حصار
على الرغم من كل الصعاب، يظل هذا الجيل متمسكًا بحلم مستقبل أفضل لإيران. إنهم يحملون إرث العقوبات في تفاصيل حياتهم، ولكنهم أيضًا مصممون على صياغة مستقبل اقتصاد يحده الإغلاق ويشكله الصمود.
إنهم يحلمون بيوم يرى فيه وطنهم خارج دائرة الحصار، وداخل عالم أوسع يمنح طموحاتهم المساحة الكافية للنمو والازدهار. بين اليأس والتكيف، ينحت هؤلاء الشباب مسارات جديدة، مدفوعين بإيمان راسخ بإمكانية التغيير وبعزم لا يلين على بناء مستقبل أفضل لإيران وشعبها.
ختامًا: مستقبل إيران بين أيدي شبابها.
هذا الجيل هو مفتاح مستقبل إيران. فهم ليسوا مجرد ضحايا للظروف، بل هم صناع التغيير الذين يمكنهم أن يحولوا التحديات إلى فرص. من خلال دعم رواد الأعمال الشباب وتشجيعهم على الابتكار، والاستثمار في الاقتصاد الرقمي، يمكن لإيران أن تتغلب على آثار العقوبات وتبني مستقبلًا أكثر إشراقًا لمواطنيها. دعونا نراقب ونحتفل بمرونة وإبداع هؤلاء الشباب، فهم الأمل الوحيد لإيران.















