حققت جامعة طيبة في المدينة المنورة إنجازًا علميًا هامًا بتسجيل نموذج صناعي محمي لدى الهيئة السعودية للملكية الفكرية. يمثل هذا النموذج نقلة نوعية في مجال عزل الخلايا، حيث يعتمد على تقنيات متطورة في الموائع الدقيقة والتحفيز الكهربائي النانوي، بهدف تحسين دقة التشخيص للكشف عن الأمراض والفيروسات المختلفة. تبرز هذه الخطوة كجزء من جهود المملكة لتعزيز الابتكار في القطاع الصحي.
تم تسجيل هذا النموذج الصناعي في 16 ديسمبر 2023، وفقًا لبيان صادر عن جامعة طيبة. ويأتي هذا الإنجاز في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تركيزًا متزايدًا على تطوير القدرات البحثية والابتكارية في المجالات الحيوية مثل الصحة والتكنولوجيا الحيوية. الجامعة أكدت أن هذا الاختراع يساهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
آلية عمل نموذج عزل الخلايا وتطبيقاته
تعتمد آلية عمل النموذج الجديد على مبادئ فيزيائية وكيميائية دقيقة. يستخدم النظام شريحة متناهية الصغر من الزجاج، مصممة بقنوات دقيقة تتصل برقائق من الذهب النقي، مما يتيح التحكم الدقيق في حركة السوائل والخلايا. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي الشريحة على أقطاب كهربائية مخصصة لتوليد نبضات كهربائية نانوية.
مبادئ الموائع الدقيقة والتحفيز الكهربائي النانوي
تتيح تقنيات الموائع الدقيقة التعامل مع كميات صغيرة جدًا من السوائل، مما يزيد من كفاءة العمليات ويقلل التكاليف. أما التحفيز الكهربائي النانوي، فيعتمد على تطبيق نبضات كهربائية عالية الدقة على الخلايا، مما يؤدي إلى تغيرات في خصائصها الكهربائية. هذه التغيرات تسمح بفصل الخلايا المصابة عن الخلايا السليمة بدقة عالية.
عندما تمر الخلايا عبر القنوات الدقيقة وتتعرض للنبضات النانوية، تظهر اختلافات في استجابتها الكهربائية. يستغل النموذج هذه الاختلافات لإجراء عملية فصل دقيقة، حيث يتم توجيه الخلايا المصابة إلى مسارات معينة، بينما تظل الخلايا السليمة في مسارات أخرى. هذه العملية تعتمد على مبادئ كهروتركيز الخلايا (Electrokinetic cell focusing) وتقنية الاختزال الكهروكيميائي (Electrochemical reduction) لتحقيق الكفاءة المطلوبة.
أهمية الابتكار في عزل الخلايا للقطاع الصحي
يتمتع هذا النموذج الصناعي بأهمية كبيرة في تطوير حلول تشخيصية متقدمة. فمن خلال القدرة على عزل الخلايا المصابة بدقة عالية، يمكن للعلماء والباحثين إجراء تحاليل أكثر تفصيلاً وفهمًا لطبيعة الأمراض والفيروسات. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تطوير علاجات أكثر فعالية.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم هذا الابتكار في جهود التخفيف من انتشار الأمراض المعدية. فمن خلال الكشف المبكر عن الخلايا المصابة، يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار العدوى. يعتبر هذا الأمر بالغ الأهمية في ظل التحديات الصحية العالمية المستمرة، مثل جائحة فيروس كورونا المستجد و ظهور سلالات متحورة جديدة. تُعدّ هذه التقنية أيضًا بديلاً فعالاً للطرق التقليدية في التشخيص التي قد تكون أقل دقة أو تستغرق وقتًا أطول.
كما أن هذا النموذج يمثل خطوة مهمة نحو تطوير الطب الشخصي (Personalized Medicine). فمن خلال تحليل الخلايا المصابة على مستوى الفرد، يمكن تصميم علاجات مخصصة تتناسب مع احتياجاته الفردية. ويعتبر هذا النهج أكثر فعالية من العلاجات التقليدية التي تعتمد على متوسط الاستجابة للمرض.
دور جامعة طيبة في دعم البحث والتطوير
يشكل هذا الإنجاز تتويجًا لجهود جامعة طيبة المستمرة في تعزيز البحث التطبيقي ودعم الابتكار. تسعى الجامعة إلى تحويل المعرفة العلمية إلى حلول عملية تخدم القطاعات الحيوية في المملكة العربية السعودية، وعلى رأسها القطاع الصحي. تستثمر الجامعة بشكل كبير في البنية التحتية البحثية، وتوفر الدعم المالي والإداري للباحثين والعلماء.
إن تسجيل هذا النموذج الصناعي يتماشى مع استراتيجية الجامعة الرامية إلى تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية. تهدف هذه الشراكات إلى تسريع عملية تحويل الأبحاث العلمية إلى منتجات وخدمات قابلة للتطبيق. تعتبر جامعة طيبة من الجامعات الرائدة في مجال البحث والتطوير في المملكة، وتساهم بشكل فعال في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
من المتوقع أن تبدأ الجامعة في استكشاف فرص التعاون مع الشركات المتخصصة في مجال التكنولوجيا الحيوية لتطوير النموذج الصناعي وتحويله إلى منتج تجاري. سيشمل ذلك إجراء المزيد من التجارب والتحسينات على التصميم، بالإضافة إلى الحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة. سينصب التركيز أيضًا على خفض تكاليف الإنتاج لتسهيل الوصول إلى هذه التقنية التشخيصية المبتكرة.
في الختام، يُعد تسجيل نموذج عزل الخلايا الجديد من جامعة طيبة خطوة بارزة في تطوير القدرات البحثية والابتكارية في المملكة العربية السعودية. يساهم هذا الإنجاز في تعزيز القطاع الصحي وتوفير حلول تشخيصية متقدمة وفعالة. من الضروري متابعة تطورات هذا النموذج والجهود المبذولة لتحويله إلى منتج تجاري متاح للمرضى والعلماء على حد سواء.
