واشنطن- أقرّ مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية بأنّ العقوبات التي قررت الولايات المتحدة فرضها على طرفي الصراع في السودان، لا يمكنها أن تجبر القوات المسلحة هناك على العودة إلى مسار المفاوضات في جدّة، أو تدفع نحو إحداث تغيير سريع في الأوضاع داخل السودان.
وقال السفير ديفيد شين، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق للشؤون الأفريقية، في حديث للجزيرة نت “لا يمكن لواشنطن ولا لأي طرف آخر إجبار القوات المسلحة السودانية على العودة إلى المحادثات. لكنني أعتقد أنها ستخلُص من تلقاء نفسها إلى أنه من الأفضل أن تكون جزءا من المناقشات بدلا من مقاطعتها، الأمر الذي سيعطي ميزة نفسية لقوات الدعم السريع”.
وجاءت العقوبات الأميركية ردّا على ما وُصف بانتهاكات القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للالتزامات التي تعهدت بها في مفاوضات جدة، وقيامها بأعمال النهب والاستيلاء على المساكن والبنية التحتية المدنية، واستخدام القصف الجوي والمدفعي، وعرقلة المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية.
وقال السفير شين، وهو أيضا باحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن “انسحاب القوات المسلحة السودانية من المحادثات التي ترعاها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، جاء على ما يبدو في محاولة للضغط ودعم موقفها التفاوضي”.
ورغم استبعاده أن تكون الإجراءات الأميركية هي السبب المباشر، توقّع شين أن تعود القوات المسلحة السودانية إلى المحادثات في الأيام المقبلة، “لأنه ليس من مصلحتها أن تبدو وكأنها الطرف المفسد للتفاوض”.
عقوبات وقيود
وللمرة الأولى منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 من أبريل/نيسان الماضي، أعلنت الحكومة الأميركية عن عقوبات اقتصادية ومالية على المسؤولين الذين ينتهكون اتفاقيات وقف إطلاق النار في السودان، وفرضت قيودا على تأشيرات سفرهم وضيّقت بصورة كبيرة على المصادر المالية لكل من القوات المسلحة السودانية و”الدعم السريع”.
وجاءت الخطوات الأميركية في أعقاب تعليق الجيش السوداني مشاركته في مباحثات جدة الخميس، وهو القرار الذي عبّرت واشنطن عن أسفها له، ودعت القوات المسلحة السودانية إلى اغتنام فرصة السلام بشكل جاد.
وفيما اعتبره مراقبون بمثابة “تكشير إدارة جو بايدن عن أنيابها” تجاه التعامل مع الأوضاع المتردية في السودان، أصدرت وزارتا الخارجية والخزانة، إضافة للبيت الأبيض، بيانات منفصلة توزّع الأدوار فيما بينها في التعامل مع مستجدات القتال المستمر في السودان.
ومنذ بدء الحرب، والتي أسفرت عن مقتل قرابة ألف شخص وإصابة آلاف آخرين، توسّطت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية للتوصل لعدة هُدن سمحت بإيصال المساعدات الإنسانية، وذلك على الرغم من عدم احترام طرفي القتال لوقف إطلاق النار، وكرّرا إلقاء اللوم على بعضهم في انتهاكات الاتفاقات.
القادة ومصادر التمويل
وفي بيان للبيت الأبيض، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إنه على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار المعمول به، “استمر العنف الذي لا معنى له في جميع أنحاء البلاد، مما أعاق إيصال المساعدات الإنسانية وأضرّ بمن هم في أمسّ الحاجة إليها”.
من جانبها، أعلنت وزارة الخزانة فرض عقوبات على الشركات المرتبطة بقادة الفريقين المتحاربين بمن فيهم قائد القوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”. ويرتبط كل منهما ارتباطا وثيقا باثنتين من 4 شركات تستهدفها العقوبات الجديدة وتضمنها بيان وزارة الخزانة الأميركية.
وصرّحت وزيرة الخزانة جانيت يلين، بأن خطواتها تهدف إلى “قطع تدفقات مالية رئيسية عن كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية من خلال العقوبات، مما يحرمهما من الموارد التي يحتاجون إليها لسداد مدفوعات الجنود وإعادة التسلح والإمداد وشن الحرب في السودان”، مضيفة أن “الولايات المتحدة تقف في صفوف المدنيين بمواجهة من يرتكبون أعمال العنف ضد الشعب السوداني”.
مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان: يُشكّل القتال الدائر في السودان بين القوات المُسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مأساة تسببت بفقدان عدد كبير من الأرواح حتى الآن ويجدر به أن يتوقف.https://t.co/c0LLKRobxL
— الخارجية الأمريكية (@USAbilAraby) June 1, 2023
شركات للدعم السريع
تتضمن العقوبات الأميركية 4 شركات، اثنتان منها تتبعان قوات الدعم السريع وهما:
- شركة “الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة”، ويسيطر عليها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وشقيقه نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو.
ويقع مقرها الرئيسي في الخرطوم، وتتبع لها 11 شركة في قطاعات اقتصادية عدة، بما ذلك استخراج الذهب، إذ أصبحت السيطرة على مناجمه وتصديره مصدرا حيويا للإيرادات لعائلة دقلو وقوات الدعم السريع منذ مصادرتها “منجم جبل عامر” في عام 2017. - شركة “تراديف للتجارة العامة المحدودة”، وهي واجهة يسيطر عليها الرائد في قوات الدعم السريع القوني حمدان دقلو. ويقع مقرها الرئيسي في الإمارات العربية المتحدة، وهي شركة توريد سبق لها أن قامت بشراء سيارات لقوات الدعم السريع. ومن المحتمل أن بعض هذه السيارات تم تعديلها وتزويدها برشاشات تستخدمها هذه القوات خلال دورياتها بشوارع الخرطوم وغيرها من مناطق السودان.
كيانات مرتبطة بالجيش
وطالت العقوبات كيانين مرتبطين بالجيش السوداني، وهما:
- “منظومة الصناعات الدفاعية”، وهي أكبر شركة دفاعية في السودان وتدرّ ما يقدر بملياري دولار من الإيرادات من خلال مئات الشركات التابعة عبر مختلف قطاعات الاقتصاد السوداني.
وتصنع منظومة الصناعات الدفاعية مجموعة من الأسلحة الصغيرة والتقليدية والذخيرة والمركبات العسكرية للقوات المسلحة السودانية، وتستخدم هذه نظاما معقدا لإخفاء ملكيتها للشركات التابعة وأثناء الحصول على خطابات اعتماد مواتية من بنك السودان المركزي. - شركة “ماستر تكنولوجي السودان”، وهي شركة أسلحة مساهمة في عدة شركات تابعة لمنظومة الصناعات الدفاعية، ومساهم رئيسي في 3 شركات تنتج الأسلحة والسيارات للقوات المسلحة السودانية.