على الرغم من الثقة في التعليم الوطني، يخطط ثلثا الأفارقة لإرسال أبنائهم للدراسة في الخارج – هذا هو المفارقة الصارخة التي كشف عنها استطلاع حديث نشرته مجلة أفريقيا ريبورت بالتعاون مع مؤسسة ساجاسي للبحوث الكينية. يكشف هذا التناقض عن نظرة معقدة للتعليم في القارة، حيث يقدّر الأفارقة جودة التعليم في بلدانهم، لكنهم يرون في المؤسسات التعليمية العالمية، وخاصة الغربية، فرصة أفضل لتحقيق التنافسية والنجاح المهني، وفتح آفاق أوسع. هذا الاستطلاع، الذي شمل أكثر من 7000 مشارك من الطبقة فوق المتوسطة في 47 دولة أفريقية، رصد اتجاهات مثيرة للاهتمام حول تصورات التعليم، وطموحات الآباء، والمستقبل الذي يتطلعون إليه لأبنائهم.
الثقة في التعليم الوطني مقابل الرغبة في الدراسة بالخارج: نظرة عامة
النتائج الأولية للاستطلاع تؤكد أن أغلبية الأفارقة ما زالوا يثقون في المدارس الوطنية. ولكن هذا لا يمنعهم من التخطيط لإرسال أبنائهم للدراسة في الخارج. هذه الظاهرة ليست مجرد مسألة جودة التعليم، بل هي تتعلق أيضًا بالهيبة الاجتماعية والفرص المتاحة التي يعتقد الآباء أن التعليم في الخارج يمكن أن يوفرها. يشير الاستطلاع إلى أن هناك اعتقادًا راسخًا بأن الحصول على شهادة من مؤسسة تعليمية مرموقة عالميًا يفتح الأبواب أمام وظائف أفضل، سواء داخل أفريقيا أو في الخارج.
دول تتصدر قائمة الثقة والتردد
أظهر الاستطلاع بعض الاختلافات الإقليمية الواضحة. كانت غانا وكينيا في مقدمة الدول الأفريقية التي عبرت عن ثقتها بأنظمتها التعليمية. في غانا، عبر 73% من المشاركين عن ثقتهم في مدارس بلادهم، بينما كانت النسبة نفسها في كينيا. يعزو البعض هذه الثقة العالية إلى وجود مدارس ثانوية وجامعات عريقة ذات سمعة طيبة.
ولكن، وكما ذكرنا سابقًا، فإن هذه الثقة لا تترجم بالضرورة إلى إبقاء الطلاب داخل البلاد. فقد أشار 76% من الغانيين و67% من الكينيين إلى أنهم أرسلوا بالفعل أو يخططون لإرسال أبنائهم للدراسة في الخارج، مما يبرز التناقض بين الرأي والثقافة العملية. هذا التوجه يعكس إدراكًا بأن التعليم في الخارج قد يكون مفتاحًا للنجاح في عالم اليوم.
الوجهات التعليمية المفضلة للأفارقة
تتصدر كندا قائمة الدول الأكثر تفضيلاً للدراسة، تليها المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والصين. هذا الترتيب يعكس بشكل كبير إرث الاستعمار والروابط اللغوية والثقافية بين هذه الدول ودول أفريقية مختلفة. فأنظمة التعليم في غانا وكينيا، على سبيل المثال، متأثرة بشكل كبير بالنموذج البريطاني.
إضافة إلى ذلك، تبرز الصين كوجهة صاعدة بفضل مبادراتها الدبلوماسية التعليمية، بما في ذلك تقديم المنح الدراسية وإنشاء معاهد كونفوشيوس التي تروج للغة والثقافة الصينية. وتعزز هذه المبادرات من جاذبية الصين كوجهة للدراسة. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بالدراسة في دول أفريقية أخرى، مثل جنوب أفريقيا والمغرب والسنغال ومصر وغانا نفسها، مما يعكس رغبة في تعزيز التعاون التعليمي داخل القارة الأفريقية.
تحديات التعليم الوطني وضرورة الإصلاح
يرى بعض الخبراء أن هذا التوجه نحو الدراسة في الخارج يعود إلى تحديات يواجهها التعليم الوطني في بعض الدول الأفريقية. في غانا، على سبيل المثال، يعزو رئيس اتحاد المعلمين، إسحاق أوفوري، هذا التناقض إلى “أعباء الإصلاحات” التي صاحبت سياسة التعليم الثانوي المجاني، والتي أدت إلى زيادة كبيرة في عدد الطلاب، ولكن في الوقت نفسه كشفت عن نقاط ضعف في النظام التعليمي.
ويضيف أوفوري أن عدم المساواة في الوصول إلى الموارد التعليمية، مثل الدروس الخصوصية، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة. أما تييموب ريتشارد، المعلّم الغاني الحائز على لقب “أفضل معلم لعام 2025″، فيربط الظاهرة بـ”العقلية الاستعمارية وإحساس التفوق الأجنبي”، مع التأكيد على أن الآباء يرغبون في توفير تعليم “يضيف قيمة عملية” لأبنائهم. ولتحقيق ذلك، يجب التركيز على تطوير المهارات اللازمة لمواجهة تحديات سوق العمل المتغير.
التكلفة الاقتصادية لهجرة العقول
لا يمكن إغفال التكلفة الاقتصادية الهائلة للدراسة في الخارج. فمليارات الدولارات تتدفق سنويًا من القارة الأفريقية إلى المؤسسات التعليمية في الخارج، وهي موارد كان يمكن استثمارها في تطوير الجامعات والمدارس المحلية.
إلى جانب ذلك، يمثل هجرة العقول تحديًا كبيرًا، حيث يميل الخريجون الذين يدرسون في الخارج إلى البقاء هناك بحثًا عن فرص عمل أفضل، مما يحرم القارة من الكفاءات والمواهب التي تحتاجها للتنمية. ويؤكد الخبراء على ضرورة إعادة بناء الثقة في التعليم الوطني من خلال ضمان الجودة والملاءمة والنتائج العملية، بالإضافة إلى توفير فرص عمل مناسبة للخريجين.
خلاصة: نحو مستقبل تعليمي أفريقي واعد
باختصار، يكشف هذا الاستطلاع عن صورة معقدة للتعليم في أفريقيا – ثقة في التعليم الوطني مصحوبة برغبة قوية في الاستفادة من الفرص التي يوفرها التعليم في الخارج. ولتحقيق مستقبل تعليمي أفريقي واعد، يجب على الحكومات والمؤسسات التعليمية العمل معًا لمعالجة التحديات التي تواجه التعليم الوطني، وتحسين جودته، وزيادة ملاءمته لسوق العمل، بهذا سيكون التعليم في افريقيا بوابة لفرص متساوية، وسيكون خيارًا مفضلًا للجميع. يجب أن يكون الهدف هو خلق أنظمة تعليمية قادرة على جذب الطلاب الموهوبين والاحتفاظ بهم، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة.















