تمتد الأزمة اللبنانية – السورية على أكثر من مستوى؛ من الأمني والعسكري إلى السياسي والاقتصادي، وتكاد تكون مرآة للتحولات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة منذ عقود.

التداخل الجغرافي والسكاني، إضافة إلى الإرث التاريخي للعلاقات المتشابكة بين البلدين، جعل من الحدود الشرقية للبنان بؤرة توتر مستمرة، تتجدد بين الحين والآخر مع كل تغيّر في موازين القوى.

التطورات الأخيرة على الحدود بين البلدين، وانتشار الجيش اللبناني في الهرمل والقصر، وصولاً إلى المواجهات التي اندلعت في بلدة (حوش السيد علي) بعد التوغل السوري، فتحت الباب مجدداً أمام أسئلة جوهرية حول مستقبل هذه المنطقة المتنازع عليها. فهل ما يحدث اليوم هو مجرد مواجهة ظرفية مرتبطة بالتغيير الحاصل في لبنان؟ أم أننا أمام تحول إستراتيجي قد يُفضي إلى إعادة ترسيم الحدود بين البلدين، وما لذلك من تداعيات على المشهد الإقليمي؟

البُعد الأمني

للمرة الأولى منذ سنوات، نشهد انتشاراً عسكرياً لبنانياً موسعاً في مناطق لطالما اعتبرت هامشية في الحسابات الأمنية اللبنانية، رغم كونها خطَّ تماسٍ دائمٍ مع التوترات السورية. لذلك، فإن دخول الجيش اللبناني إلى بلدة حوش السيد علي، ولو بشكل محدود، يعكس توجهاً رسمياً جديداً نحو تثبيت سلطة الدولة على مناطق ظلت لفترة طويلة خارج السيطرة المباشرة.

كما أن اللافت في التطورات الأخيرة، أن الانتشار لم يكن كاملاً أو حاسماً، إذ تم تأجيله تحت ضغط من الجانب السوري، وسط حديث عن تفاهمات بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، وهو ما يطرح السؤال عما إذا كان هذا الاتفاق أو السير في هذا التوجه سيؤدي إلى إنتاج النمط التقليدي السائد للعلاقات اللبنانية – السورية، حيث تبقى الملفات الإستراتيجية رهن الحسابات الإقليمية. وعليه، هل يمكن لهذه التفاهمات أن تصمد طويلاً في ظل واقع معقد تتحكم فيه قوى تتجاوز الدولتين؟

البُعد الجغرافي

لطالما شكلت الحدود اللبنانية – السورية معضلةً يصعب حلها بسهولة. فإلى جانب كونها مناطق وعرة وغير مرسمة بدقة منذ الانتداب الفرنسي، فإن التركيبة الديموغرافية لسكان هذه المناطق تزيد من تعقيد المسألة؛ فالقرى المتداخلة حيث يقطن آلاف اللبنانيين الذين هُجّروا بفعل الحرب السورية، تطرح أسئلة جدية حول إعادة التوطين، والهوية، والانتماء السياسي.

والحديث عن ترسيم الحدود بين لبنان وسورية ليس جديداً، لكنه يكتسب اليوم بعداً أكثر الحاحاً في ظل تزايد الضغوط الدولية لضبط المعابر غير الشرعية التي لطالما كانت شرياناً أساسياً لاقتصاد الظل والتهريب. من هنا، يصبح ملف الترسيم مرتبطاً بشكل وثيق بمصالح القوى الإقليمية والدولية، وليس مجرد قرار لبناني – سوري. فهل يمتلك لبنان القدرة على فرض ترسيم للحدود وفق مصالحه؟ أم أن التسويات الإقليمية الكبرى هي التي ستحدد مصير هذه المنطقة؟

البُعد السياسي والإقليمي

لا يمكن فصل الأزمة اللبنانية – السورية عن المشهد الإقليمي الأوسع. فوجود (حزب الله) على الحدود، وعلاقته العضوية بنظام الأسد، جعلا من هذه المنطقة نقطة اشتباك مستمرة بين المحاور المتصارعة في الشرق الأوسط. والدعوات التي أطلقتها بعض القوى اللبنانية لسحب (حزب الله) من الحدود؛ التزاماً بالقرار 1701، تصطدم بواقع ميداني وسياسي معقد؛ فالحزب يعتبر أن وجوده في هذه المناطق جزءاً من إستراتيجيته الدفاعية، في حين ترى قوى لبنانية أخرى أن ضبط الحدود يجب أن يكون حكراً على الجيش اللبناني دون أي شراكة مع أي فصيل مسلح. والسؤال، هل يكون ترسيم الحدود بوابة لإنهاء النفوذ غير الرسمي في هذه المناطق أم مجرد خطوة تكتيكية في انتظار جولة جديدة من المواجهات؟

ما يجري اليوم على الحدود اللبنانية – السورية، ليس مجرد اشتباك موضعي أو أزمة أمنية عابرة، بل هو انعكاس لصراع قديم حول المستقبل الجديد للعلاقة بين البلدين في ظل تغيّر التوازنات الداخلية والإقليمية.

تسليم مسلحين لبنانيين تورطوا بأعمال عنف ضد الجيش السوري

تسليم ضباط وعسكريين سوريين فرّوا إلى لبنان بعد سقوط الأسد

إنشاء لجنة

تنسيق بين

وزارتي الدفاع لضبط الحدود

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.