الحياة في غزة لا تزال تواجه تحديات جمة، حتى بعد مرور أكثر من شهرين على اتفاق وقف إطلاق النار. هذا ما أكدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مسلطة الضوء على الوضع الإنساني المتردي الذي يعيشه سكان القطاع. ففي حوار مع الجزيرة نت، وصفت أماني الناعوق، المتحدثة باسم الصليب الأحمر في غزة، الأوضاع بأنها لا تزال “بالغة الصعوبة”، معربة عن قلقها المتزايد بشأن انهيار المباني المتضررة وتداعياته المأساوية على المدنيين. هذا الوضع يذكرنا بمدى الحاجة الملحة لتقديم الدعم الإنساني لسكان غزة، وتحسين ظروفهم المعيشية.
الوضع الإنساني في غزة بعد وقف إطلاق النار: معاناة مستمرة
على الرغم من الاتفاق على وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر، إلا أن الحياة في غزة لم تعد إلى طبيعتها. ما يقرب من مليوني فلسطيني ما زالوا يواجهون أزمة إنسانية معقدة تتفاقم مع مرور الوقت. التقارير تشير إلى أن أكثر من 80% من القطاع تأثر بأوامر الإخلاء خلال الأشهر الماضية، مما أدى إلى اكتظاظ شديد في المساحات المتبقية. هذا الاكتظاظ يضع ضغطاً هائلاً على الخدمات الأساسية، التي تفتقر إلى الكفاءة والشمولية في العديد من المناطق. الاحتياجات الإنسانية تتزايد بشكل ملحوظ، خاصة فيما يتعلق بالطعام والماء النظيف والدواء والمأوى.
تدهور المنظومة الصحية في قطاع غزة
يعاني النظام الصحي في غزة من انهيار شبه كامل، وهو ما يعتبر من أخطر التحديات التي تواجه السكان. المستشفيات تعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية، بينما تستمر في استقبال أعداد كبيرة من الجرحى والمرضى. العيادات الخارجية ومراكز الرعاية الصحية الأولية تبذل جهوداً مضنية، ولكنها غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي تزيد من خطر انتشار الأمراض المعدية مثل الإسهال والدوسنتاريا والتهاب الكبد الوبائي. هذا التدهور في الخدمات الصحية يهدد حياة آلاف الفلسطينيين، ويستدعي تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي.
خطر انهيار المباني وتأثير المنخفض الجوي
مع بداية فصل الشتاء، يزداد قلق الصليب الأحمر بشأن سلامة المباني المتضررة. فقد انهار 13 منزلاً خلال المنخفض الجوي الأخير، مما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى. البقاء في هذه المنازل المنهارة يعرض حياة المدنيين للخطر، ليس فقط بسبب الانهيارات المحتملة، بل أيضاً بسبب وجود ذخائر غير منفجرة. هذا الوضع يضاف إلى معاناة العائلات التي تقيم بالفعل في ملاجئ مؤقتة أو خيام مهترئة، والتي تتفاقم مع هطول الأمطار الغزيرة وهبوب الرياح العاتية. المياه الملوثة التي تتجمع في هذه المناطق تشكل خطراً حقيقياً على الصحة العامة.
تدخلات اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحسين الوضع
تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على قدم وساق مع شركائها على الأرض لتقديم الاستجابة الإنسانية اللازمة. تشمل تدخلاتهم صيانة شبكات المياه والصرف الصحي، وتوفير مضخات متحركة لشفط مياه الأمطار، وتوزيع مستلزمات الإيواء مثل الخيام والبطانيات. بالإضافة إلى ذلك، يدعمون النظام الصحي المنهار من خلال توفير الإمدادات الطبية. مستشفى الصليب الأحمر الميداني في رفح يقدم خدمات صحية حيوية للمحتاجين، حيث أجريت أكثر من 177 ألف استشارة طبية و 800 ولادة و 11 ألف عملية جراحية منذ تأسيسه. وتقدم اللجنة الدعم للمخابز والمطابخ المجتمعية لضمان حصول السكان على الغذاء. كما تتضمن مشاريعهم إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي وتقديم الدعم لإدارة النفايات. هذه الجهود تهدف إلى تخفيف معاناة السكان وتحسين ظروفهم المعيشية، ولكنها تتطلب المزيد من الدعم والتنسيق.
تبادل الجثامين: دور الصليب الأحمر والتحديات القائمة
تلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوراً حاسماً في تسهيل عملية تبادل الجثامين بين المقاومة والاحتلال. يواصلون جهودهم لإبلاغهم بأسماء المعتقلين والسماح لهم بالوصول إليهم، مؤكدين على أهمية معاملة المعتقلين معاملة إنسانية. هم يعملون كوسيط محايد لتيسير إعادة الجثامين، حتى تتمكن العائلات من طي صفحة الماضي ودفن أحبائها. يُشكل اتفاق وقف إطلاق النار فرصة مهمة لتسريع هذه العملية ومنح العائلات القدرة على إغلاق هذا الفصل المؤلم.
معوقات العمل الإنساني في غزة
على الرغم من الجهود المبذولة، يواجه العاملون في المجال الإنساني في غزة العديد من المعوقات، بما في ذلك التحديات الأمنية واللوجستية. الدمار الهائل والنزوح الجماعي يزيدان من نطاق الاحتياجات، ويتطلبان تكثيفاً وتوسيعاً للعمل الإنساني. التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة في المجال الإنساني أمر بالغ الأهمية لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين بأمان. وجود الذخائر غير المنفجرة يمثل خطراً إضافياً على العاملين في الميدان. هذه المعوقات تتطلب معالجة شاملة من قبل جميع الأطراف المعنية لضمان استمرار العمل الإنساني وتقديم المساعدة اللازمة لسكان غزة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحصول على التمويل الكافي والضغوط السياسية يلعبان دوراً هاماً في مدى نجاح هذه الجهود.
الخلاصة: الحاجة إلى حلول مستدامة
إن الوضع في غزة لا يزال حرجاً، ويستدعي تدخلاً عاجلاً ومستمراً من المجتمع الدولي. على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، فإن السكان يعانون من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، وتدهور في الخدمات الصحية، وخطر الانهيارات بسبب سوء الأحوال الجوية. الجهود التي تبذلها اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية ضرورية لتخفيف المعاناة، ولكنها لا تكفي. الحلول المستدامة تتطلب معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وضمان الوصول المستمر للمساعدات، وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة، وتحسين الظروف المعيشية لسكان القطاع. إن دعم الشعب الفلسطيني في غزة هو واجب إنساني وأخلاقي يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف.


