جنين- لم يكن منزل غادة مرعي يفرغ من المعزين باستشهاد حفيدها عيد مرعي 15 عاما في مخيم جنين، حتى وصلها خبر استشهاد ابنتها لينا مرعي وطفليها وأهل زوجها في قصف إسرائيلي على منزل نزحوا إليه بمخيم البريج بقطاع غزة.

فقدت غادة، ابنتها في غزة وهي اللاجئة المولودة في سوريا، والعائدة مع قوائم العائدين إلى غزة عام 94، وهناك أنجبت أولادها، وعاشت معهم 8 سنوات قبل أن يستقر بها الحال في مخيم جنين شمال الضفة الغربية.

تقول إن زوج ابنتها لينا كان صديق طفولتها، وإن عائلته بقيت على تواصل معهم بعد انتقالها إلى المخيم، وقبل 8 سنوات خطبت لينا على الهاتف، وتم الزواج في غزة “في ذلك الوقت كان يمكننا زيارة غزة بصعوبة، صحيح، لكن ذهبنا إلى هناك، وأقمنا عرس لينا هناك”، تقول غادة.

وتضيف “كباقي حال أهل غزة كان حال زوج لينا صعبا، وكنت أساعدها في كل شيء، حتى ملابس أطفالها، لم أكن أبخل عليهم في شيء، فهي ابنتي الصغرى وقرة عيني، وقبل أشهر من الحرب استطاع زوجها الحصول على عمل في الداخل (أراضي 48) وتحسن حالهم، لكن مع بدء الحرب تحولت حياتهم لكابوس”.

أيام ثقيلة

كانت أيام الحرب ثقيلة على لينا وعائلتها، وصعبة بنفس القدر على والدتها غادة، التي عاشت الخوف والقلق المستمر على مصير ابنتها وأحفادها، وعلى الرغم من تواصلها الدائم معها بالمكالمات الهاتفية ورسائل الواتساب، فإن قلقها عليهم كان يمنعها من النوم، وفي كل مرة كانت تضطر عائلة لينا إلى النزوح من منطقة إلى أخرى كان خوف أمها يزداد.

“لينا مدللتي، أصغر أولادي، والكل يعرف قدرها عندي، كانت تحادثني باستمرار، وترسل لي صور أولادها، وتقول لي تعبنا يا أمي، كانت تطلب من الله أن يريحهم إما بالفرج وانتهاء الحرب أو بأن يأخذهم شهداء”، تقول غادة.

طلبت لينا من والدتها الخروج من مخيم جنين في آخر مكالمة بينهما، والتي كانت قبل استشهادها بساعة واحدة، خوفا عليها بعد انتشار أخبار بنية الاحتلال اجتياح المخيم “أرسلت لي صورة ابنها وقالت، اتركي المنزل يا أمي يقولون إن جيش الاحتلال يستعد لدخول المخيم، قلت لها لن أذهب إلى أي مكان لا تقلقي علي المهم أن تكوني بخير أنت، وبعد ساعة أخبروني باستشهادها هي وأطفالها”.

نجا من قصف المنزل الذي كانت توجَد فيه لينا وعائلتها طفلها الكبير وابنة عمه فقط، بالإضافة إلى زوجها الذي يوجد في جنين منذ بداية الحرب على قطاع غزة، وحتى اليوم لا يستطيع أن يدخل غزة لرؤية ابنه، ولا يمكن للطفل أن يصل إلى والده وجدته في جنين.

“رحلت لينا، دون أن أودعها أو أن أدفنها، لم ينته عزاء حفيدي بعد، وها أنا أفجع بابنتي وأطفالها وعائلة زوجها كلهم، لم أرها منذ سنة ونصف، واليوم رحلت ولن أتمكن من زيارة قبرها حتى”.

حال الكثير في الضفة

ومنذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فجع عدد كبير من الفلسطينيين الذين يسكنون مدن الضفة الغربية، إذ لا يكاد يمر يوم دون قصة فقد جديدة لمواطنين فقدوا أقارب وأصدقاء ومعارف في غزة، بينما يعيش عدد آخر لحظات من الرعب والقلق المستمر على مصير أهلهم تحت القصف.

وكان محمد الفرا المقيم في مدينة رام الله واحدا ممن عايش شعور فقدان أهله في غزة، بسبب القصف الإسرائيلي، فبعد أيام من بداية العدوان، قصف الاحتلال منزل شقيقته، فاستشهدت هي وأطفالها الخمسة وزوجها.

يقول “أنا أعمل في مجال الإعلام، يومها كنت أغطي تظاهرة للمواطنين بالقرب من حاجز بيت إيل العسكري في رام الله، وهناك جاءني اتصال يفيد بقصف المنزل الذي تسكنه شقيقتي وعائلتها، انهرت في الشارع، ونقلني الأصدقاء إلى المنزل”

ويؤكد الفرا أن أصعب شعور قد يعيشه الإنسان أن يكون في مدينة قريبة وأهله تحت القصف، ولا يستطيع الذهاب إليهم، أو إخراجهم من هناك أو حمايتهم بأي شكل من الأشكال.

“فقدت شقيقتي وعائلتها، وبقي هناك والداي وإخوتي وعائلاتهم، تمر الأيام ثقيلة جدا، ومع كل قصف يتم في المنطقة التي يسكنونها، أخاف أن يصلني خبر سيئ عنهم”، يضيف الفرا.

ويتابع “أعيش في رام الله منذ 24 عاما، وفي هذه الظروف أعتقد أن دوري هو على الأقل محاولة التخفيف عن عائلتي، بالتحدث معهم باستمرار، وإشعارهم أني معهم دائما، وإن لم أكن معهم في غزة، والداي يعيشان في منطقة القرارة، وهي منطقة حدودية، كنت أحاول إقناعهم بضرورة ترك منازلهم والتوجه إلى خان يونس، في البداية كانوا يرفضون ذلك، وبعد دخول الدبابات إلى شارع صلاح الدين شمال خان يونس، أصبح خروجهم لازما”.

الاطمئنان عن طريق الأخبار

واجه الفرا صعوبة كثيرة في التواصل مع والديه وأشقائه، فلجأ إلى طواقم الإسعاف، لمساعدتهم بالخروج من القرارة، يقول إن أشقاءه توزعوا في أكثر من مكان ومركز إيواء “توزع أهلي على مراكز الإيواء والمنازل، هذه طريقة أهل غزة في محاولة حماية أفراد الأسرة من الاستهداف الكامل، ولإبقاء أشخاص من العوائل على قيد الحياة، في حالات القصف”.

ومنذ 5 أيام لا يستطيع الفرا التواصل مع أي أحد من عائلته؛ بسبب قطع الاتصالات والإنترنت على كامل القطاع، يقول إن “الاتصالات منذ بداية الحرب كانت صعبة جدا”، وإنه ينتظر طوال اليوم ليتلقى رسالة واحدة من والدته تخبره فيها أنهم أحياء.

ويصف ما يعيشه بالصعب، فهو يخشى يوميا أن يصله خبر عن عائلة الفرا في غزة، “لا أعرف طعم النوم منذ أيام، ولا في أي وقت من اليوم، أحاول الاتصال بأي طريقة، لكن دون جدوى، حاولت التواصل مع الأصدقاء العاملين في الصحافة في غزة، أيضا دون فائدة، يقولون لي إن”الأخبار السيئة تصل بسرعة، الآن أعيش لسماع أي خبر عن عائلتي، لا أتمنى لأي أحد أن يعيش ما أعيشه”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.