عمّان- يشهد الأردن انحباسا للأمطار خلال الموسم الحالي، مما أثار قلقا واسعا بين المواطنين والخبراء والمزارعين، وسط تحديات متزايدة في ظل المتغيرات المناخية التي باتت تلقي بظلالها الثقيلة على المنطقة، خاصة أن البلاد تُعد واحدة من أفقر دول العالم في المياه، وفق المؤشرات العالمية.

ويعتمد الأردن بشكل كبير على الأمطار لتأمين احتياجاته من المياه، سواء للاستهلاك البشري أو الزراعة. ومع استمرار غيابها دق الخبراء ناقوس الخطر، ويُعتبر شهر سبتمبر/أيلول من كل عام فترة انتقالية من الصيف إلى الشتاء ولا تخلو أيامه الأخيرة -عادة- من الأمطار، وهو ما لم يحصل هذا الموسم وحتى المواسم الماضية.

وما زالت البلاد تحت وطأة تأثير التغير المناخي، مما يعني أنها ستواجه مشكلة سنوية تتطلب إجراءات استثنائية. وبات الحديث عن السدود أمرا مقلقا لشح تغذيتها نتيجة لتناقص وتذبذب معدل هطل الأمطار في الأعوام الأخيرة، بالرغم من أنها تمثل أهمية إستراتيجية للأردن من حيث تخزين مياه الأمطار، نظرا لما يعانيه من محدودية الموارد المائية.

مواسم مقلقة

لم يخف مدير عام اتحاد المزارعين الأردنيين محمود العوران مخاوفه من تأخر الموسم المطري هذا العام، وقال للجزيرة نت إن الانحباس المطري يكون له تبعات سلبية على القطاعين الزراعي والمائي، وإن المواسم المطرية كانت متذبذبة خلال الأعوام الماضية.

وأضاف أن قلة المياه وتراجع حصة المزارعين منها يهددان بتقليص المساحات المزروعة خلال السنوات المقبلة، مما يؤثر على تدفق المنتجات الزراعية إلى السوق المحلي، وكذلك انخفاض صادرات المملكة من هذه المنتجات التي تمثل جزءا مهما من البضائع المصدرة للخارج.

وحسب العوران، أدى الصقيع وتدني درجات الحرارة إلى تلف العديد من المحاصيل الزراعية المعتمدة على مياه الينابيع التي لا يوجد حتى اللحظة أي تغذية لها من مياه الأمطار، وأكد: “لا زراعة بدون مياه، فالأمن الغذائي مرتبط بالأمن المائي”. ودعا وزارة المياه إلى إطلاق “خطة طوارئ للتعامل مع حالات الانحباس المطري التي نواجهها في هذه الأوقات”.

وبحسب دراسة اطلعت عليها الجزيرة نت بعنوان “الأمن المائي في الأردن وآفاقه المستقبلية”، تعود أزمة المياه في الأردن خلال العقود الماضية للأسباب التالية:

  • زيادة الاعتماد على المياه الجوفية بشكل لافت، والضخ الجائر من الآبار الجوفية.
  • تراجع تساقط الأمطار التي تدنت بسببها كمية المياه السطحية، إضافة إلى سوء استخدام مصادر المياه المختلفة.
  • الاعتداء المتكرر على خطوط المياه التي باتت مشكلة مؤرقة للشارع الأردني، وتُستنزَف بسببها كميات كبيرة من المياه.
  • سيطرة إسرائيل على مصادر مياه حيوية للأردن، مثل مجاري مياه نهري الأردن واليرموك، والتحكم بهما بحيث يحصل الأردن على كميات أقل بكثير مما يحق له تاريخيا.
  • محدودية الموارد المائية والتغير المناخي.
  • الضغط السكاني وتدفق اللاجئين ضاعفا تحديات الجفاف ونقص المياه.
الشاكر أكد من أن الموسم الحالي ربما لم يسبق أن حصل مثيل له إلا فقط في 5 مواسم من أصل 75 سنة ماضية .. الجزيرة نت.

وضع استثنائي

من جانبه، قال مدير مركز “طقس العرب” محمد الشاكر إن مركزه أجرى مؤخرا محاكاة حاسوبية أرشيفية للأوضاع المناخية لـ75 سنة ماضية، حيث تبين أن “الأردن يوجد في أرشيفه المناخي حوالي 30 موسما من أصل 75 كانت بها كميات الأمطار أقل من المعدل حتى لحظة دخول المربعانية (أحد أساليب رصد موسم الأمطار)”.

وأضاف للجزيرة نت أن الوضع الحالي السائد، دون وجود كمية كافية من الأمطار، ليس فقط أقل من المعدل الطبيعي، إنما، وعند إجراء المقارنة مع السنوات السابقة، لم يحدث سابقا إلا في 5 مواسم فقط من أصل 75 سنة، أي بنسبة 7% فقط.

وتابع “في حال استمر الوضع على هذا النحو خلال الأيام والأسابيع المقبلة، فلا بد حينها من الاعتراف بأن ما يحدث هو أمر استثنائي نادر الحدوث”.

وأوضح الشاكر أن الـ30 موسما، التي كانت بها كميات الأمطار عند دخول “المربعانية” أقل من المعدل، انتهى منها تقريبا 10 مواسم ذات أمطار حول أو أعلى من المعدل في نهاية الموسم، أي أن الفرصة الإحصائية تصل إلى 30% بأن يتحسن واقع الموسم المطري في الأسابيع القادمة، لينتهي به الحال إلى موسم حول أو أعلى من المعدل مطريا و”بالتالي لا يمكن الجزم بالنتيجة بشكل كلي أو قاطع من الآن”.

عمر سلامة الناطق باسم وزارة المياه .. مواقع التواصل

جهود رسمية

بدوره، قال المتحدث باسم وزارة المياه عمر سلامة إن الأردن يصنف كواحد من أكثر بلدان العالم فقرا في المياه، إذ تبلغ حصة الفرد نحو 60 مترا مكعبا سنويا مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 500 متر مكعب، وهو ما يعادل أقل من 10% من معدل خط الفقر العالمي.

وفي تصريح للجزيرة نت، أشار سلامة إلى أن الزراعة في المملكة تعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار وتغذية السدود التي ترفد المزارعين بالمياه، خاصة في فصل الصيف.

وأضاف أن الحكومة -ممثلة في وزارة المياه- تواصل جهودها الهادفة إلى تعزيز أمن التزود بالمياه من خلال تسريع إجراءات تنفيذ الناقل الوطني للمياه، الذي يقوم على تحلية مياه البحر الأحمر عبر ميناء العقبة الأردني، ونقلها إلى العاصمة عمّان وباقي المحافظات لتغطية النقص الشديد في المياه.

سد الملك طلال .. مواقع التواصل الاجتماعي

ويعاني الأردن منذ سنوات أزمات مياه كبيرة بسبب استمرار الانحباس المطري، حيث لم تتجاوز كميات الأمطار المتراكمة، حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، 4% فقط من المعدل الموسمي العام، وفق الأرقام الرسمية لدائرة الأرصاد الجوية.

وأكد مدير الدائرة رائد آل خطاب أن أداء الموسم المطري الحالي يُعتبر ثاني أضعف أداء بعد موسم 1958-1959، وفقا للسجل المناخي لمحطة رصد مطار عمان المدني التي سجلت 2.7 ملميتر (2% من المعدل الموسمي العام) مقارنة بـ1.7 مليمتر (1%) في موسم 1958-1959.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.