بورتسودان- رفعت السلطات الأمنية في ولاية البحر الأحمر شرقي السودان درجة الاستعدادات خلال الساعات الماضية، ونشرت تعزيزات عسكرية كبيرة في عديد من المواقع الإستراتيجية بالعاصمة بورتسودان، وسط مخاوف من تسلل مقاتلي الدعم السريع إلى المدينة، التي تشهد وجودا مكثفا للسفراء والبعثات الدبلوماسية وآلاف الفارين من الحرب في الخرطوم.
ومنذ الاثنين الماضي، شهدت شوارع بورتسودان تحركات عسكرية كثيفة وإغلاقا لعديد من الطرق المؤدية إلى المواقع العسكرية، بعد أن وضعت الجهات الأمنية يدها على أسلحة ومتفجرات، كما رصدت عددا من الخلايا النائمة وألقت القبض على عناصر تابعة لقوات الدعم السريع.
إثر ذلك، فرضت الحكومة حظرا للتجوال وجددت سريان حالة الطوارئ، وشددت على عدم السماح بمغادرة أي حافلة نقل إلى الخرطوم أو غيرها من المدن، في محاولة لمنع مغادرة بقية العناصر المشبوهة، كما أوقفت حركة المواصلات القادمة لولاية البحر الأحمر من بقية الولايات وبينها الخرطوم، لأجل غير مسمى.
سلاح ومتفجرات
وطبقا لمصادر أمنية تحدثت للجزيرة نت، فإن قرارات الحكومة المحلية اتخذت بعد الكشف عن دخول كميات كبيرة من السلاح النوعي، بينه متفجرات وأسلحة تستخدم للتخريب أكثر من القتال المباشر، كما تحدثت عن رصد السلطات الأمنية لعشرات من منسوبي قوات الدعم السريع وصلوا بورتسودان بملابس مدنية، وأفادت أن السكان في عدد من الأحياء أبلغوا السلطات بوجود العناصر وتم القبض على عدد كبير منهم.
وطبقا لمصدر عسكري تحدث للجزيرة نت، فإن الموقوفين (رفض تحديد عددهم) مجموعة ينتسبون لقوات الدعم السريع تسللوا للمدينة مستغلين المواصلات العامة، وقُبض عليهم داخل شقق فندقية تم استئجارها الأسبوع الماضي، ويخضعون حاليا للتحقيق.
ولم يستبعد المصدر وجود رابط بين شحنة السلاح المضبوطة هذا الأسبوع في بورتسودان والخلية الموقوفة، وقال إن التحقيقات ستظهر كل التفاصيل بينما تتابع الأجهزة الأمنية ملاحقة آخرين، كما يتم التحقيق حول مصدر السلاح الرئيسي، مستبعدا دخوله إلى ميناء بورتسودان من اليمن مباشرة.
وتتحرى السلطات -وفقا للمصادر الأمنية- في مخطط قوات الدعم السريع التي وصلت المدينة الساحلية، بدون أن تستبعد ترتيبها لتنفيذ عمليات نوعية كالتفجير والاغتيالات وإشاعة البلبلة في بورتسودان، بعد تحولها لمركز إداري كبير بانتقال عدد من الوزراء والسفراء لمباشرة أعمالهم منها، بدلا من الخرطوم التي تشهد اشتباكات عنيفة في عديد من مناطقها.
وكان الجيش استهدف في 16 أبريل/نيسان الماضي 3 مقار للدعم السريع في بورتسودان، وأخلاها من عناصرها التي فرت بنحو 20 سيارة، في حين وضعت السلطات الأمنية يدها على أكثر من 30 عربة أخرى، وفقا لمصادر أمنية.
تطور خطير
وحول تخطيط قوات الدعم السريع لنقل عملياتها العسكرية إلى البحر الأحمر لتخفيف الضغط على القوات في الخرطوم، يقول المحلل السياسي عبد المنعم الفكي إنه تطور خطير للحرب السودانية يحيلها إلى حرب إقليمية، وذلك بالنظر لتأثير ساحل البحر الأحمر على أمن الإقليم والتجارة العالمية.
ويعتقد الفكي -في حديثه للجزيرة نت- أن انتقال الصراع إلى البحر الأحمر سيفتح الباب واسعا لتدخل قوى دولية إقليمية في الصراع بصورة مباشرة.
وعلى المستوى المحلي، يقول المحلل إن الصراع في بورتسودان وما يتاخمها، سيُدخل أطرافا محلية واجتماعية في شرق السودان أعلنت مساندتها للقوات المسلحة، وكذلك سيؤدي إلى شلل اقتصادي شامل بوقف الشريان الوحيد الذي يربط السودان بالعالم الخارجي، وفوق ذلك سيجبر وكالات الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية على مغادرة السودان كليا.
ويتحدث الفكي عن الأسلحة التي ضُبطت قبل أيام في منطقة “مرسي دبة سالم”، وهي خليج في منطقة وعرة يستخدمه مهربو السلاح ويقع جنوب مدينة طوكر وقريب من مضيق باب المندب، ما يجعل الاتهام يتجه لدول لها وجود عسكري في اليمن أو إريتريا.
ويتابع “لكن وعورة المنطقة وبعدها، يجعل من الصعب استمرار مراقبتها، في حال كانت هناك جهات تنوي استخدامها لتهريب السلاح”، كما لا يستبعد أن يكون وراء السلاح المضبوط عصابات معروفة بنشاطها في هذه المنطقة.
مخطط إقليمي وعالمي
بدوره، يرى الخبير في شؤون شرق السودان محمد المعتصم، أن أسباب الحرب الناشبة في السودان إقليمية ودولية أكثر من كونها محلية.
ويتحدث المعتصم للجزيرة نت عن “استهداف أزلي لموارد السودان، وأن موقعه المفيد لكل طامع في بسط النفوذ على المستوى القاري، فيه تحفيز إيجابي للتدخلات”، مشيرا إلى أن ما يجري الآن من صراع عسكري لا ينفك عن سعي الدول صاحبة النفوذ في العالم لإعادة ترتيبه من جديد.
حيث استُهدف السودان -كما يقول المعتصم- منذ العام 2015 في سياق مشروع “تشكيل مستقبل التغيير في السودان”، والرامي لتقسيمه إلى 5 دويلات في الشرق والغرب والجنوب الجديد، بجانب الشمال والوسط، وهكذا تسهل إدارته، وفق تعبيره.
ويعتقد المتحدث أن قوات الدعم السريع تمثل ذراعا إقليميا ودوليا أكثر من كونها واجهة محلية، فهي -وفق قوله- تعد وكيلا لقوى عالمية هادفة لتمزيق السودان لمصلحتها.
ويلفت إلى الصراع الأميركي الروسي على قاعدة البحر الأحمر، مضيفا “كما لا تبدو إسرائيل بعيدة عن التنافس في ظل الإستراتيجية العالمية المعروفة، علاوة على الدعوات لإنشاء موانئ جديدة، خاصة ميناء أبو عمامة وما يرتبط به من طرق معبدة تعبر شرق أفريقيا إلى غربها عبر تشاد إلى النيجر، وكل ذلك لا تحسب فيه القوى الإقليمية والدولية حسابا لأصحاب البلد”.
ويؤكد أن مؤشرات ارتياد الدعم السريع لشرق السودان موجودة من خلال ضبط أسلحة وخلايا استخباراتية في البحر الأحمر وكسلا والقضارف، متابعا “لكن القوى الفاعلة في الشرق تعد العدة لمواجهة هذا المخطط، حتى تحافظ على سيادة الشرق، وتحافظ على كل السودان من هذا الخطر الذي يهدد الاستقرار والسلم الداخلي والعالمي، وحان الوقت للتعامل معه بجد”.