تشهد تايلند، الوجهة السياحية المحبوبة لدى الإسرائيليين، تحولاً مقلقاً في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع ملحوظ في الشكاوى المتعلقة بسلوكيات بعض السياح والمقيمين الإسرائيليين. أُطلِق عليهم في وسائل الإعلام التايلندية والإسرائيلية تسميات مثل “الإسرائيلي القبيح في تايلند” و “الظاهرة الإسرائيلية القبيحة”، وهو تعبير يصف سلسلة من الحوادث التي تثير الاستياء وتلقي بظلالها على صورة السياحة الإسرائيلية. تفاقمت هذه المشكلة بشكل خاص منذ بدء الحرب على قطاع غزة، مما دفع السلطات التايلندية إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة.
## تصاعد الشكاوى وسلوكيات مرفوضة
ازدادت التقارير الواردة من مختلف المناطق التايلندية حول تجاوزات يقوم بها بعض الإسرائيليين، وشملت هذه التجاوزات مجموعة متنوعة من الأفعال غير القانونية وغير الأخلاقية. تشمل هذه الأفعال شجارات جماعية في الأماكن العامة، وتعاطي المخدرات، وممارسات جنسية علنية، وسرقة التبرعات، وهو ما أثار غضب السكان المحليين والسياح الآخرين. إحدى الحوادث التي لفتت الأنظار كانت سرقة تبرعات من صالون تدليك، مما أظهر استهتاراً واضحاً بالقيم الثقافية والاجتماعية التايلندية.
## أساليب احتيالية واستغلال في سوق العقارات
لم تقتصر المشكلة على السلوكيات العلنية، بل امتدت لتشمل ممارسات غير نزيهة في القطاع الاقتصادي. اشتكى مطورو عقارات تايلنديون من تعرضهم للخداع والاستغلال من قبل بعض المستثمرين الإسرائيليين الذين استخدموا تكتيكات مريبة، مستوحاة من أساليب “الالتفاف والتوافق” الشائعة في سوق العقارات الإسرائيلية. أدت هذه الممارسات إلى نزاعات قانونية واسعة النطاق وتسببت في حالة من عدم الثقة بين الطرفين. وقد بلغ الأمر ذروته بقيام شرطة الهجرة التايلندية باعتقال عوز أبوديان، المتهم بتزوير تذاكر فعاليات رياضية وموسيقية وخداع المشترين بمبالغ مالية كبيرة.
## تغييرات في سياسة التأشيرات وتشديد الإجراءات
في مواجهة هذا الوضع المتدهور، بدأت تايلند في إعادة تقييم سياستها تجاه السياح والمقيمين الإسرائيليين. لطالما كانت تايلند وجهة سهلة نسبياً بالنسبة للإسرائيليين الباحثين عن إقامة طويلة الأمد، وذلك بفضل سياسات التأشيرات المرنة. ومع ذلك، قررت السلطات التايلندية مؤخراً تشديد هذه السياسات، مما أثر بشكل كبير على الإسرائيليين الذين اعتادوا على تجديد تأشيراتهم بشكل متكرر.
### قيود جديدة على التأشيرات السياحية
القيود الجديدة تحد من عدد مرات تمديد التأشيرة السياحية إلى مرتين فقط في السنة، مع مدد زمنية أقصر (30 يوماً للتمديد الأول و 7 أيام فقط للتمديد الثاني). والأهم من ذلك، أن التمديد أصبح متاحاً فقط لأولئك الذين وصلوا إلى تايلند عن طريق الجو، وبعد قضاء يوم واحد على الأقل في بلد آخر. هذه الإجراءات تهدف إلى الحد من الإقامة غير القانونية وتشجيع الإسرائيليين على الامتثال للقوانين المحلية.
## “إسرائيل مصغرة” في تايلند: إلى أين تتجه الأمور؟
ازدادت أعداد الإسرائيليين في تايلند بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تفشي جائحة كوفيد-19، حيث تحولت البلاد إلى ملاذ آمن ووجهة مثالية للعمل عن بعد. وقد أدى ذلك إلى ظهور مناطق معينة، مثل جزر كوه فانجان وكوه ساموي، حيث يتركز وجود الإسرائيليين بشكل كبير، لدرجة أن البعض أطلق عليها اسم “إسرائيل مصغرة”.
ومع ذلك، فإن هذا التدفق الكبير من السياح والمقيمين الإسرائيليين لم يأتِ دون عواقب. فقد أدت السلوكيات غير المقبولة لبعضهم إلى رد فعل عنيف من قبل السكان المحليين، وزادت الدعوات إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. ولوحظ وجود تباين بين تبني البعض لأسلوب حياة “رحالة” وبين الآخرين الذين يظهرون استعلاءً وافتقاراً للاحترام تجاه الثقافة التايلندية. حادثة القبض على زوجين إسرائيليين وهما يمارسان الجنس في مكان عام، أثارت غضباً واسعاً وألقت الضوء على هذه المشكلة بشكل خاص.
## مستقبل السياحة الإسرائيلية في تايلند
إن الوضع الحالي يطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل السياحة الإسرائيلية في تايلند. فهل ستتمكن السلطات التايلندية من السيطرة على هذه الظاهرة المتصاعدة؟ وهل سيتمكن السياح الإسرائيليون من تغيير سلوكهم واحترام العادات والتقاليد المحلية؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد ما إذا كانت تايلند ستظل وجهة مفضلة للإسرائيليين، أم أنها ستتحول إلى مكان غير مرحب به بسبب سلوكيات قلة منهم. بالتأكيد، تتطلب هذه المشكلة حلولاً متكاملة تشمل تعزيز الرقابة الأمنية، وتوعية السياح الإسرائيليين بأهمية احترام القوانين المحلية والثقافة التايلندية، وتشجيع الحوار بين الجانبين لتبديد حالة عدم الثقة وإعادة بناء الثقة المتبادلة. من المهم ملاحظة أن هذه الإجراءات لا تهدف إلى استهداف السياحة الإسرائيلية بشكل عام، بل إلى ضمان التزام جميع الزوار بالقوانين والأنظمة المحلية، والحفاظ على صورة تايلند كوجهة سياحية آمنة ومحترمة.















