الجزائر- بعث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، رسالة تهنئة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بمناسبة الذكرى الـ63 لاستقلال الجزائر، عبّر فيها عن “الشراكة المستدامة” بين البلدين في ذكرى استقلال تجمع بلديهما، مؤكّدا على أهمية التعاون في مجالات الأمن، وتأمين الحدود، والفرص التجارية والثقافية.
وقال ترامب: “لقد حققنا معا إنجازات لصالح الاستقرار الإقليمي، ومجهودات في مجال مكافحة الإرهاب، وأخرى من أجل تأمين الحدود، لفائدة أمننا المشترك وعلاقاتنا الاقتصادية”، واعتبر أن التعاون بين البلدين اليوم هو في مرحلة “خلق مستقبل أكثر ازدهارا للأميركيين كما للجزائريين”.
كما أكد في رسالته طموحه بتواصل الازدهار بالعلاقات الثنائية، وعلى وجه الخصوص في المجالات التجارية والمبادلات الثقافية، مشيرا إلى إمكانية “رسم معالم مستقبل أكثر إشعاعا للبلدين”.
بدوره وجّه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الاثنين، رسالة مماثلة عبّر فيها عن تقدير بلاده للعلاقات الثنائية، وتطلعها إلى “مواصلة التعاون المشترك” لا سيما في مجالات الفرص التجارية والتبادل بين الشعوب.
ومع بداية العهدة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، شهدت العلاقات الجزائرية الأميركية توقيع مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري بين الجزائر والقيادة الأميركية لأفريقيا “أفريكوم”، إلى جانب توافد كبار مسؤولي شركات الطاقة الأميركية مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” إلى الجزائر في الأيام الماضية.
أكثر من تهنئة
ويؤكد المحلل السياسي محمد بن خروف للجزيرة نت، أن رسالة الرئيس الأميركي تتجاوز مجرد التهنئة، وتتضمن الدعوة إلى تعميق الشراكة، والدفع بإمكانيات استثمارها لشراكة قوية، مع التأكيد على أهمية التعاون المشترك بشكل أكبر، بحكم ما تفرضه المرحلة الحالية التي تشهد تحولات سياسية وإستراتيجية عالمية وفق المصالح المشتركة.
وعلى الرغم من أن التعاملات بين البلدين ارتكزت على جوانب الأمن والطاقة التقليدية منذ الاستقلال، إلا أن الرسالة ـبحسب ما يرى المحلل السياسي- تؤكد أن الرئيس الأميركي يبحث عن توسيع العلاقات، والتوجه بها نحو إقامة تعاون مستدام أكثر بين البلدين.
واعتبر أن إشارة ترامب إلى إنجازات مشتركة لصالح الاستقرار الإقليمي، ومجهودات في مجال مكافحة الإرهاب، وأخرى من أجل تأمين الحدود “تعد بمثابة تذكير بمكانة الجزائر على الصعيد الإقليمي الأفريقي أو المغاربي وحتى الدولي”.
في المقابل أشار إلى أن “المحطات التاريخية التي تجمع البلدين، فرضت من خلالها الجزائر احتراما دبلوماسيا، تستمده من مبادئ الندية واحترام سيادة الدول والقوانين الدولية”، مشيرا إلى أن المقروء من الرسالة هي أن “الولايات المتحدة تبعث برغبتها في أن تكون شريكا كباقي الشركاء، على غرار الصين وإيطاليا وغيرهم” حسب قوله.
وأضاف أن “دعوتها لتوسيع التعاون لم تأتِ من العدم، فإلى جانب امتلاك الجزائر مقدرات اقتصادية ومعدنية هائلة تدخل في الصناعات التكنولوجية الجديدة التي يبحث العالم عنها، فإن التحولات السياسية الإقليمية وتحرر أفريقيا من النفوذ الاستعماري السابق، خاصة في منطقة الساحل، وتعويضه بقوى أخرى على غرار الصين وروسيا؛ كلها أمور تجعل واشنطن تريد العودة للقارة من دون الدخول بصراع مع باقي الدول”.
أبعاد اقتصادية
ويقول الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي، إن الرسالتين تحملان رمزية ودلالات وأبعادا اقتصادية عميقة، فهي دعوة للتأكيد على أهمية استكشاف الفرص التجارية والاستثمارية بين البلدين، معتبرا أن دخول الشركتين “إكسون موبيل” و “شيفرون” يأتي في هذا المسار.
وأشار الحيدوسي في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ليست جديدة على الجزائر “بدليل أن أول الشركاء الاقتصاديين للجزائر في مجال الطاقة منذ الاستقلال كانت واشنطن”.
واعتبر أن الولايات المتحدة الأميركية لم تغب عن شمال أفريقيا، ولم تتراجع عن الحضور فيها، “إلا أن طبيعة النموذج الاقتصادي السائد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حال دون دخولها بقوة، خلافا للانفتاح الاقتصادي الحالي في الجزائر، المرتبط مع رغبتها الملحة بتنويع الشركاء شرقا وغربا”، مشيرا إلى قانون الاستثمار الجديد في الجزائر الذي يشجع على جذب هذه الاستثمارات.
أما في مجال الطاقة، فيرى أن هناك توجها للتعاون، خاصة مع رغبة العديد من الشركات بدخول السوق الجزائرية، وتحديدا في قطاع الغاز الصخري، إذ تمتلك الجزائر إمكانات ضخمة.
وبفضل التكنولوجيا الدقيقة والمتطورة التي تمتلكها الشركتان، فإن الجزائر تأمل في شراكة فعالة مع الولايات المتحدة، وأكد الخبير أن توسيع التعاون مع أميركا لا يمنع الجزائر من التعاون مع شركاء آخرين أيضا، “فهي تسير وفق مبدأ الانفتاح والتوازن في شراكاتها الدولية”.
رهان وثقة
يرى عبد اللطيف بوروبي أن المقاربة الأميركية تجاه الجزائر ترتبط بشكل وثيق بموقعها الجغرافي، “وهو ما يمنحها أهمية متزايدة في السياسة الخارجية لواشنطن، ويجعلها فاعلا إقليميا لا يمكن تجاهله في الحسابات الإستراتيجية، خاصة مع توجه الولايات المتحدة نحو إعادة ترتيب أولوياتها في مناطق النفوذ”.
ويؤكد بوروبي للجزيرة نت أن الجزائر “تُؤخذ في الحسبان كشريك إستراتيجي، بناء على ثقلها الجغرافي، وتصوراتها لمفهوم الطاقة”، مشيرا إلى أن الاستقرار والنظام السياسي في البلاد يعطي أهمية بالغة في النظرة الأميركية لتقييم شركائها، خاصة في ظل التحولات الدولية، إذ ما تزال الولايات المتحدة تحتفظ بموقع القوة العالمية الكبرى.
وفي ما يتعلق بالتنافس الدولي في أفريقيا، يُبرز بوروبي أن واشنطن ترى في القارة سوقا واعدة وفضاء غنيا بالموارد البشرية والطبيعية.
كما يرى أن واشنطن تفكر حاليا بالجزائر كشريك إستراتيجي دائم، “وهو ما يشير إليه وجود شركات أميركية كبرى في الجزائر، كونها لا تستثمر عادة في مناطق تعاني من مخاطر أمنية، ما يعكس مقدار الثقة في استقرارها”.
واعتبر الباحث أن هذا الأمر تدركه الجزائر، إذ إنها توفّر المناخ الملائم لهذه الاستثمارات، من دون الحاجة إلى قواعد عسكرية أو حضور عسكري أميركي مباشر.
مؤكدا أن الجزائر لن تتخلى عن حيادها في علاقاتها مع الدول، “إلا أن مفهوم سياسية الحياد التقليدية المرتبطة بعدم الانخراط في شراكة مع دولة على حساب أخرى قد تغير وأصبح من التاريخ، كون المصالح أصبحت أولوية، وكل هذه القوى تبحث عن مصالحها من دون التخلي والتعارض مع المبادئ” حسب قوله.