أنشأ العساكر الصاعدون إلى سدة الحكم في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر هيئة تعاون أمنية فيما بينهم في سبتمبر/أيلول 2023 أطلقوا عليها اسم “تحالف دول الساحل” وذلك ردا على التحرك العسكري الذي قادته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” لمواجهة انقلاب النيجر في يوليو/تموز 2023.

وتوسع التحالف الأمني لاحقا إلى اتحاد أكثر تكاملا، يأخذ بعين الاعتبار المسائل الاقتصادية ويعمل على تحسين رفاهية السكان، وصولا إلى إعلان الانسحاب من إيكواس في 28 يناير/كانون الثاني 2024 وتشكيل كونفدرالية ثلاثية، ودخوله حيز التنفيذ في 28 يناير/كانون الثاني الماضي بعد مرور عام على المهلة التي أعلنتها إيكواس للعودة إلى المجموعة.

وحول التوترات بين إيكواس ودول التحالف الثلاثي، كتب الأستاذ المساعد في جامعة أفريقيا الفرنسية العربية في باماكو محمد بن مصطفى سنكري ورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان “تداعيات انسحاب تحالف دول الساحل من الإيكواس” ناقش فيها تبعات الانسحاب على دول التحالف الثلاثي ودول إيكواس على حد سواء.

النفوذ الغربي على المحك

شعر القادة العسكريون في مالي وبوركينا فاسو والنيجر أن طموحات دولهم لم تعد تتماشى مع أهداف إيكواس، خاصة بعد العقوبات التي فرضتها المجموعة على الدول الثلاث وساهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية وتراجع الأمن الغذائي، وهو ما مهد الطريق أمام القادة العسكريين لمهاجمة المنظمة والانسحاب منها لاحقا وسط دعم شعبي، بالإضافة إلى ما تراه دول التحالف تماهيا مع المصالح الفرنسية على حساب مصالح الشعوب الأفريقية.

وقال الرئيس البوركينابي إبراهيم تراوري إن تشكل تحالف دول الساحل ناتج عن الحاجة إلى توحيد الموارد التي تعتبر حاسمة في المنطقة المغلقة من الساحل، وانتزاعها من الهيمنة الاستعمارية القديمة، وهو ما يفسر تراجع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا والولايات المتحدة وتعزيز اللغات المحلية في وسائل الإعلام.

وعمل التحالف على إبراز فشل العمليات العسكرية الغربية في مكافحة الجماعات المسلحة في منطقة “ليفتاكو غورما” والقضاء على العنف، في حين برزت روسيا التي أرسلت مقاتلين لتأمين المنطقة، كبديل لتغيير الميزان التاريخي للتأثيرات في المنطقة لصالح القوى الناشئة والساعية للتحرر من النفوذ الغربي.

 

 

عواقب اقتصادية ومحاولات التفاف

يقول المحلل الاقتصادي إبراهيم أمادو لوشي إن العواقب الاقتصادية على دول الساحل كبيرة وقد تكون كارثية، نظرا إلى احتمال فرض إيكواس حصارا على حركة الأشخاص والبضائع وزيادة الرسوم الجمركية ورسوم النقل، مما قد يؤدي إلى نقص حاد في السلع والبضائع الأساسية وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

ويتوقع أن يساهم خروج دول التحالف في تراجع عدد سكان إيكواس بنحو 70 مليون نسمة، مما يعني تراجعا بنحو 7% في الناتج المحلي الإجمالي، كما أن القيود التي من المتوقع فرضها على دول الساحل قد تعود سلبا على دول إيكواس وحتى إلى الدول المجاورة.

وفي الآن ذاته قد تستفيد دول الاتحاد من عضويتها المستمرة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA) مما يتيح لها الاستمرار في الاستفادة من حرية الحركة والتجارة والالتفاف على عقوبات إيكواس، رغم وجود أنباء عن إمكانية اتخاذ قادة دول الساحل قرارا بالانسحاب منه أيضا.

وقد يؤدي انسحاب دول الساحل من إيكواس إلى إعاقة تحرك المواطنين الذين اعتادوا التنقل بين الدول الأعضاء بالبطاقة الوطنية للإقامة والعمل، كما قد يصبح من الصعب على الأفراد ممارسة تجارة السلع القادمة من البحر وتلك التي تنتجها دول معينة من أعضاء إيكواس.

The head of Niger's military government, General Abdourahamane Tiani; Malian Colonel Assimi Goita; and Burkinabe Captain Ibrahim Traore show the documents of the Confederation of Sahel States (AES) they signed during their first summit in Niamey July 6, 2024 - PHOTO/AFP

وفي المقابل، أقرت دول الساحل السماح لمواطني إيكواس بالدخول إلى أراضيها والإقامة فيها دون الحاجة إلى تأشيرة، والسماح بدخول المركبات الخاصة والتجارية ومركبات النقل وفقا للقوانين الوطنية المعمول بها في كل من الدول الثلاث، مع استثناء ما أسمته دول التحالف “المهاجر غير المقبول”.

كما سمحت دول التحالف باستعمال جوازات سفر إيكواس إلى حين انتهاء صلاحيتها واستبدالها بجواز سفر “تحالف دول الساحل” في وقت اجتمع فيه قادة التحالف في فبراير/شباط 2025 لوضع سياسة تأشيرة موحدة للدول الأعضاء تحت اسم “تأشيرة ليبتاكو” وهو ما يعد خطوة نحو تعزيز التكامل الإقليمي.

المستفيد الأكبر

رحبت موسكو بقرار إنشاء كونفدرالية دول الساحل وأعلنت نيتها التعاون العسكري والاقتصادي معها، وهو ما يزيد مخاوف منظمة إيكواس من ظهور انقسامات جديدة داخلها بين الدول المعادية للغرب وتلك المنسجمة مع سياساته، وذلك بسب البديل الذي قد تقدمه موسكو للدول التي تبحث عن موازنة النفوذ الغربي.

وتقدم روسيا خدماتها الأمنية كعربون صداقة لدول الساحل وسط الاضطرابات المستمرة، فقد وقعت اتفاقيات مع قادة الاتحاد لتدريب الجيوش ونشر قوات شبه عسكرية في المنطقة بالإضافة إلى مشاريع في مجال الطاقة والمبادرات الفضائية، وذلك دون شروط سياسية قاسية بالمقابل.

وقد آتت تلك الاتفاقيات ثمارها مبكرا، فقد حصلت دول الساحل على أسلحة لم يكن بإمكانها الحصول عليها مع المحور الفرنسي، وحصلت مالي على سبيل المثال على طائرات حربية ومدرعات وعربات ودبابات ورادارات ومسيرات ورشاشات متطورة وغيرها، وهو ما يجعل التعاون مع روسيا يعلوه شيء من المصداقية والواقعية.

وفي المحصلة، يعد انسحاب دول الساحل من مجموعة إيكواس واقعا يعكس تطورا ضروريا في التملص مع النفوذ الغربي الذي يقوده المستعمر الفرنسي السابق على جميع الأصعدة، وهو يعيد رسم التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة.

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة من هذا الرابط]

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.