في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وتحديدًا مع سياسات الإكراه التي يتبعها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تبرز قارة أفريقيا كساحة للتنافس والفرص. يرى المحللون أن هذه التحولات قد تحمل في طياتها تأثيرات إيجابية على الدول الأفريقية، خاصةً إذا استثمرت هذه الدول في تعزيز التكامل الاقتصادي وتسريع وتيرة التصنيع. هذا المقال يستعرض رؤية أماكا أنكو، رئيسة قسم أفريقيا في مجموعة أوراسيا، حول مستقبل أفريقيا في النظام الدولي ما بعد الليبرالي، وكيف يمكن لنيجيريا وجنوب أفريقيا أن تلعبا دورًا محوريًا في هذا التحول.

مستقبل أفريقيا في ظل سياسات الإكراه

مع تفكيك الرئيس ترامب للنظام الدولي الليبرالي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، يرى البعض أن هذا الاضطراب قد يفتح آفاقًا جديدة للدول التي كانت على هامش هذا النظام. المنطق هنا يكمن في أن الدول الأفريقية قد تتمكن من جذب الاستثمارات وفرص التجارة في ظل نظام أقل اهتمامًا بقضايا الديمقراطية والحوكمة الرشيدة. ومع ذلك، فإن عالم ترامب، القائم على “سياسات الإكراه” والصفقات، يحمل في طياته مخاطر جمة للدول ذات النفوذ المحدود في الاقتصاد العالمي. فالنجاح في هذا العصر يتطلب نفوذًا وقوة تفاوضية تفتقر إليها معظم الدول الأفريقية، على الرغم من أن القارة تمثل حوالي 20% من سكان العالم، إلا أنها لا تشكل سوى 5% من النشاط الاقتصادي العالمي.

التكامل الاقتصادي: مفتاح الازدهار الأفريقي

على الرغم من هذه التحديات، تمتلك الدول الأفريقية فرصة حقيقية للازدهار في النظام الدولي الجديد إذا عملت بتنسيق وثيق. إن التنسيق بين عدد قليل من الدول الأفريقية المؤثرة يمكن أن يسرع وتيرة التكامل الاقتصادي، ويخلق أسواقًا أكبر، ويعزز التصنيع. هذا التماسك سيزيد من نفوذ القارة في مفاوضات التجارة والاستثمار مع القوى العالمية. فالتجارة البينية الأفريقية، على سبيل المثال، لا تزال متواضعة، وتعزيزها يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي والنمو المستدام.

نيجيريا وجنوب أفريقيا: قادة أفريقيا المستقبليون

تعتبر نيجيريا وجنوب أفريقيا في وضع مثالي لقيادة أفريقيا في هذه الحقبة الجديدة. فهما تمتلكان أكبر اقتصادين في أفريقيا جنوب الصحراء، بالإضافة إلى تاريخ من التعاون المشترك لتعزيز المصالح الأفريقية. نيجيريا، الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في القارة، تتمتع بنفوذ ثقافي كبير، بينما جنوب أفريقيا، صاحبة الاقتصاد الصناعي الأكبر، تمتلك ثقلًا جيوسياسيًا عالميًا أكبر بفضل أسواقها المالية القوية. هذا التكامل بين القوتين يمكن أن يجمع بين الموارد المالية والتأثير الثقافي اللازمين لحشد أغلبية الدول الأفريقية خلف رؤية عالمية موحدة.

التعاون التاريخي بين نيجيريا وجنوب أفريقيا

لم يكن التعاون بين نيجيريا وجنوب أفريقيا تجربة جديدة. ففي بداية القرن الحادي والعشرين، لعب البلدان دورًا رئيسيًا في إعادة تشكيل الأطر المؤسسية للقارة. الرئيسان آنذاك، أولوسيجون أوباسانجو من نيجيريا وثابو مبيكي من جنوب أفريقيا، تقاسما رؤية شاملة لتعزيز “الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية”. وقد عملا معًا على استبدال منظمة الوحدة الأفريقية بالاتحاد الأفريقي، ومنح الأخير تفويضًا لتعميق التكامل الإقليمي.

تحديات الحاضر والمستقبل

على الرغم من هذه الجهود المبكرة، واجهت المبادرات الأفريقية الشاملة تحديات كبيرة بسبب الضغوط الداخلية في كلا البلدين. فجنوب أفريقيا عانت من النمو الاقتصادي المنخفض منذ الأزمة المالية عام 2008، بينما كافحت نيجيريا للحفاظ على وتيرة نمو اقتصادي كافية لتحسين مستوى معيشة مواطنيها. هذا أدى إلى إضعاف طموحاتهما المشتركة وتراجع دور الاتحاد الأفريقي.

إعادة إحياء التكامل الاقتصادي

لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود، يجب على قادة نيجيريا وجنوب أفريقيا تحسين التنسيق الثنائي في القضايا الأساسية. يمكن لجنوب أفريقيا الاستفادة من الدعم النيجيري العلني لأولوياتها الدبلوماسية، بينما يمكن لنيجيريا الحصول على دعم جنوب أفريقيا في مساعيها للانضمام إلى مجموعة العشرين ومجموعة البريكس. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) محورًا رئيسيًا للتعاون بين البلدين. هذه الاتفاقية، التي تغطي 1.4 مليار نسمة، لديها القدرة على خلق سوق موحدة للسلع والخدمات في جميع أنحاء القارة بقيمة 3.4 تريليونات دولار.

نحو حقبة جديدة من الازدهار الأفريقي

إذا تمكنت نيجيريا وجنوب أفريقيا من إدراك نقاط قوتهما التكاملية، فإنهما يمكن أن تقودا أفريقيا نحو حقبة جديدة من الازدهار والازدهار. من خلال جهودهما المشتركة، يمكنهما حشد الدول الأفريقية وراء مواقف مشتركة بشأن قضايا مثل سياسة المناخ والتجارة والأمن الإقليمي، مما يعزز النفوذ الجيوسياسي للقارة. إن مستقبل أفريقيا يكمن في التكامل الاقتصادي والتعاون الإقليمي، ونيجيريا وجنوب أفريقيا هما المفتاح لتحقيق هذا المستقبل. الاستثمار في البنية التحتية، وتطوير الصناعات المحلية، وتعزيز التجارة البينية، كلها خطوات ضرورية لتحويل أفريقيا إلى قوة اقتصادية عالمية. التكامل الاقتصادي هو الحل الأمثل لمواجهة تحديات النظام الدولي المتغير، والاستثمار في التصنيع هو المحرك الرئيسي للنمو المستدام، والتعاون بين نيجيريا وجنوب أفريقيا هو الأساس لتحقيق هذه الأهداف.

شاركها.
اترك تعليقاً