في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها من تطورات، تتصاعد التوترات في السجون الإسرائيلية التي تحتجز فيها آلاف الأسرى الفلسطينيين. تثير التصريحات الإسرائيلية الأخيرة حول حالة الأسرى، واحتمالية اندلاع انتفاضة داخل السجون أو حتى تنفيذ عمليات أسر جديدة، شكوكًا واسعة النطاق. هذا المقال يتناول هذه التصريحات، ويحلل دوافعها، ويستعرض وجهات نظر حقوقية وبحثية حول الواقع الحقيقي للأسرى الفلسطينيين، مع التركيز على الأسرى الفلسطينيين وتحدياتهم المتزايدة.

تصعيد إسرائيلي وتشكيك في الروايات

أطلق مسؤولون إسرائيليون، على رأسهم مفوض مصلحة السجون كوبي يعقوبي ورئيس جهاز “الشاباك” ديفيد زيني، تحذيرات متكررة بشأن “توتر متصاعد” داخل السجون، و”قدرات عملياتية” لدى الأسرى، وتحول “الأمل بالتحرر إلى يأس”. هذه التصريحات، وفقًا للعديد من المراقبين، لا تعكس الواقع، بل تهدف إلى تهيئة الرأي العام الإسرائيلي وتبرير سياسات القمع والتنكيل المتزايدة ضد الأسرى.

دوافع إسرائيلية وراء التصريحات

تعتبر الفعاليات الحقوقية والباحثون أن هذه التصريحات تندرج في سياق حرب إسرائيلية شاملة على الأسرى منذ 7 أكتوبر 2023. تهدف هذه الحرب إلى إضعاف الروح المعنوية للأسرى وعائلاتهم، وتبرير المزيد من الإجراءات القمعية، وإضفاء الشرعية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل السجون. كما أنها قد تكون مقدمة لتصعيد وحشي خلال المرحلة المقبلة، كما يحذر الخبراء.

تحليل معمق للوضع في السجون

يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن ملف الأسرى الفلسطينيين غالبًا ما يتم تجاهله في الخطاب الفلسطيني، على الرغم من أنه كان أحد الدوافع الرئيسية لعملية “طوفان الأقصى”، إلى جانب الانتهاكات المستمرة في القدس والمسجد الأقصى. ويؤكد شلحت أن الأسرى يعيشون مرحلة غير مسبوقة من القمع الوحشي، خاصةً مع تولي إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي، وما تبعه من تغييرات جذرية في ظروف الاعتقال.

قمع ممنهج وتصعيد في الانتهاكات

يشكك شلحت في مصداقية الروايات الإسرائيلية حول اليأس أو سيناريوهات الأسر، معتبرًا أنها مبالغ فيها وتهدف إلى تبرير القمع المتزايد. ويحذر من أن توقيت هذه التصريحات قد يمهد لتصعيد جديد داخل السجون، يتماشى مع توجهات حكومة الاحتلال لاستمرار الحرب على غزة. ويضيف أن التحريض على الأسرى يخدم أجندة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الساعية لتحويل الحرب إلى حالة دائمة للحفاظ على تماسك حكومته وتجنب انهيارها.

شهادات وتقارير حول المعاناة

تتحدث التقارير الواردة من داخل السجون عن مستوى غير مسبوق من التعذيب والتنكيل، خاصةً بحق قادة الأسرى. الأسير مروان البرغوثي، على سبيل المثال، يتعرض لظروف اعتقالية قاسية للغاية، وما يصل إلى الرأي العام لا يمثل سوى جزء صغير مما يحدث في الزنازين وأقبية التحقيق، كما تكشف التسريبات المحدودة حول سجن “سدي تيمان”.

أدوات الترهيب والحرب النفسية

حذر مكتب إعلام الأسرى من تصعيد خطير يستهدف قادة ورموز الأسرى، عبر اعتداءات وحشية تهدف إلى كسر إرادتهم وتحويلهم إلى أدوات ترهيب لبقية المعتقلين. وتشمل هذه الاعتداءات الضرب بالهراوات، والتهديدات، والضغوط الأمنية على عائلات الأسرى، بهدف بث الرعب وكسر المعنويات. بالإضافة إلى ذلك، يواجه الأسرى ظروفًا اعتقالية كارثية، تشمل التنكيل اليومي، والتجويع، والتبريد القاسي، وحرمانهم من الضروريات الأساسية، مع تفشي الأمراض والإهمال الطبي الممنهج.

وجهة نظر قانونية: سياسة ممنهجة

المحامي المختص في شؤون الحركة الأسيرة، خالد محاجنة، يؤكد أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة ليست جديدة، بل هي جزء من خطاب متكرر منذ 7 أكتوبر 2023. ويوضح أن الرواية الإسرائيلية عن اليأس داخل السجون لا تعكس الواقع، بل هي تصعيد لقمع ممنهج وسياسي يستهدف جميع الأسرى، بما في ذلك الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والأردنيين. ويؤكد أن الاعتقاد بأن وقف الحرب على غزة سيوقف الاعتداءات ضد الأسرى هو رهان خاطئ، وأن الحرب عليهم مستمرة وتأخذ منحى تصاعديًا خطيرًا.

صمود الأسرى رغم التحديات

على الرغم من كل ما يتعرض له الأسرى من تعذيب وتجويع ومرض وحرمان وعزل، يؤكد محاجنة أنهم لم يفقدوا وعيهم ولا إرادتهم، بل ما زالوا صامدين، ويشكلون جزءًا حيًا من الشعب الفلسطيني وبوصلة نضاله. ويضيف أن الأسرى يتمتعون بمعنويات عالية، ويبعثون برسائل صمود وثبات إلى عائلاتهم، بل يمنحون القوة حتى لمحاميهم أثناء اللقاءات داخل المحاكم العسكرية.

الخلاصة

إن الوضع الذي يعيشه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية يزداد سوءًا، والتصريحات الإسرائيلية المتصاعدة هي محاولة لتبرير القمع الممنهج وتصعيد العنف. ومع ذلك، فإن الأسرى يواصلون الصمود والمقاومة، ويشكلون رمزًا للأمل والصمود للشعب الفلسطيني. يتطلب هذا الوضع تضامنًا دوليًا واسع النطاق لفضح هذه الانتهاكات، وممارسة الضغط على إسرائيل لوقف هذه الجرائم، وضمان حقوق الأسرى الإنسانية والقانونية. من الضروري متابعة هذا الملف بشكل مستمر، وتسليط الضوء على المعاناة التي يعيشها الأسرى، والعمل على تحقيق حريتهم.

شاركها.
اترك تعليقاً