تحت ستار الحرب المتجددة على غزة والحرب الدائمة على المحيط العربي في 7 جبهات أعلنت حكومة نتنياهو الحرب على الجبهة الثامنة، وفق تعبير رئيس المحكمة العليا الأسبق، أهرون باراك. وتحت غطاء ما أعلنه نتنياهو من حرب على ما سماه “الدولة العميقة” شن أوسع حملة لتدمير من يعرفون في إسرائيل بحراس العتبة الموكل إليهم حماية الدولة والديمقراطية الإسرائيلية وبينهم رئيس جهاز الشاباك والمستشارة القانونية لحكومة وقضاة المحكمة العليا. وقررت حكومة نتنياهو إنهاء خدمة رئيس الشاباك رونين بار اعتبارا من العاشر من أبريل/نيسان، وبدء إجراءات إقالة المستشارة القانونية غالي بهراب ميارا والسيطرة على لجنة انتخاب القضاة وتعيين مسؤول شكاوى على القضاة يتيح للوزير ملاحقة القضاة غير المرضي عنهم.

ومع استئناف الحرب على غزة مهد نتنياهو الطريق لعودة حزب بن غفير إلى الحكومة لتعزيز التوجه العنصري اليميني وحماية الائتلاف ومنع سقوط الحكومة بسبب الميزانية. وفي الطريق نحو تحقيق ذلك كان لا بد من تحقيق اشتراطات اليمين المتطرف ضد المحكمة العليا والمستشارة القانونية وحراس العتبة وتغيير جملة من القوانين بحيث تتراجع الديمقراطية وتتقدم النزعات الدكتاتورية. وقد كان لمعركة الإصلاح القانوني التي بدأها نتنياهو واليمين قبل أكثر من عامين وهدفت إلى إبعاد شبح المحاكمة عنه أن زعزعت أسس الحياة العامة وخلقت شرخا واسعا في إسرائيل كان بين دوافع حماس، وفق التحقيقات، لشن عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

مكالمة درامية

ويوم الجمعة، كتب الناطق السابق بلسان الجيش الإسرائيلي، أفي بنياهو، في “معاريف” عن مكالمة درامية قبل نحو عامين مع المستشار القانوني الأسبق لحكومة نتنياهو، أفيخاي مندلبليت حذر فيها من “أن دولة إسرائيل كما أعرفها على وشك الزوال، وأنني يجب أن أكون مستعدًا. وعندما رفضت كلماته وجادلته، أصر على أنه رأى التحركات والتقدم والتصميم على تفكيك وإلحاق الضرر بمؤسسات الحكومة ووكالات إنفاذ القانون بطريقة لم أتمكن أنا وكثيرون غيري من تشخيصها بعد”.

وكتبت المراسلة السياسية لـ”يديعوت أحرونوت”، موران أزولاي أنه “حتى أولئك الذين اعتادوا على أسلوب بنيامين نتنياهو المبهرج في السنوات الأخيرة، ارتفعت حواجبهم دهشة هذا الأسبوع. فتهجمات رئيس الحكومة على نظام العدالة غير عادية حتى بمقاييسه، كما أوضحت تصريحاته حول نظرية الدولة العميقة أنه خلع القفازات وانتهك الحدود. ولم تكن المفاجأة في النصوص، ولكن المفاجأة جاءت لأن سلسلة المواجهات غير العادية التي بدأها نتنياهو بنفسه، وكذلك طريقة عرضها، أعطت انطباعا بأنها حدث منظم”.

وهذا ما دفع الأب الروحي للثورة الدستورية في إسرائيل والرئيس الأسبق للمحكمة العليا، أهرون باراك للتحذير من أن إسرائيل قد تنزلق نحو حرب أهلية. وقال: “المشكلة الرئيسية للمجتمع الإسرائيلي هي الجبهة الثامنة – وهي الشرخ الحاد بين الإسرائيليين أنفسهم”. وقال في مقابلة مع موقع يديعوت أحرونوت: “هذا الخلاف يتفاقم وأخشى أن تكون نهايته مثل قطار خرج عن مساره ينحدر إلى الهاوية ويؤدي إلى حرب أهلية”.

كذب وخداع

ويتحدث كثيرون في إسرائيل، قبل وبعد تحقيقات الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول عن “العنصرية، والإهمال، والتحريض، والقومية، والانقسام، والتلاعب، والكذب والخداع، وتفكيك مؤسسات سيادة القانون والعدالة، والتشريعات التي تقوض أسس الديمقراطية”. وأن ما يجري سوف يدخل التاريخ باعتباره “المسيرة السوداء” للديمقراطية الإسرائيلية. ويشير معلقون إلى أن تمادي نتنياهو في صدامه مع حراس العتبة ينبع من التشجيع الذي وجده عند الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومحاولة نتنياهو الاحتذاء به رغم الفوارق الهائلة بين وضعي أميركا وإسرائيل. وهكذا دفعة واحدة وجد الإسرائيليون أنفسهم أمام نوع لم يألفوه من الغطرسة، والنشوة بالسلطة، والسيطرة المطلقة، والرغبة في إزالة أي عائق من شأنه أن يعيق تبرئة نتنياهو واستمرار حكم اليمين.

26/07/2024 - 20:44 us  -  israel  -  palestinian  -  conflict  -  trump  -  netanyahu West Palm Beach, United States HANDOUTIsraeli Government Press OfficeAFP This still image taken from an Israeli Government Press Office video shows Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (L) and his wife Sara (R) being welcomed by former US President Donald Trump at the Mar-a-Lago Club in West Palm Beach, Florida, on July 26, 2024. (Photo by Handout / Israeli Government Press Office / AFP)

وفسرت “يديعوت” ما يجري بأن كتبت: “عاد نتنياهو من زيارته لترامب والمؤتمر الصحفي المشترك الساخن مع شهية لتوسيع سيطرته ونفوذه على مؤسسات الدولة والعامة، وللقيام بذلك يستخدم حجة الدولة العميقة، والتي تسير على هذا النحو: لقد تم انتخابي من قبل الجمهور اليميني، الذي يشكل الأغلبية، ولكن حكومة الظل لليسار التقدمي تسيطر على النظام القضائي والجيش والشاباك والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام ولا تسمح لي بتنفيذ سياساتي”.

وهكذا بعد أن أقال وزير الحرب السابق، يوآف غالانت بسبب معارضته لقانون التجنيد ودفع رئيس الأركان هرتسي هاليفي للاستقالة بسبب إخفاقات الحرب اندفع نتنياهو نحو إقالة رئيس الشاباك وأصدر القرار الحكومي بالإجماع. ولكن المستشارة القضائية عارضت القرار بدعوى أنه لم يناقش في هيئة التعيينات وأصدرت المحكمة العليا أمرا احترازيا بوقف تنفيذه. وهذا ما سرع إجراءات حكومة نتنياهو لإقالة المستشارة القضائية وشن حملة على قضاة المحكمة العليا. وقررت الحكومة بدء خطوات سحب الثقة من المستشارة القضائية مما أشعل الأجواء وزاد من حدة الاحتجاجات ضد الحكومة وإجراءاتها.

تحدي الحماة

ولكن الاحتجاجات الشعبية السابقة، على سعتها، لم تمنع نتنياهو من مواصلة مخططاته للقضاء على “الدولة العميقة”، لكن أضيف إليها حاليا استعداده لتحدي حماة القانون. إذ يروج الائتلاف في الكنيست بحماس لقانون تغيير لجنة اختيار القضاة، ويستعد لإحياء ذكرى انطلاق الإصلاح القضائي الأسبوع المقبل، وكذلك تمرير الميزانية، التي ستنقل مليارات الشواكل إلى صناديق الائتلاف على حساب الضرائب والتقليصات التي ستفرض على الجمهور. وفي الوقت المناسب، وبعد شهرين في المنفى، وطبول الحرب تدق من جديد في غزة، أعاد نتنياهو إيتمار بن غفير وحزب “عوتسما يهوديت” إلى طاولة الحكومة. وفي ذلك تجاهل وتحد لموقف السلطة القضائية، التي تعتقد أن هناك مانعا قانونيًا أمام إعادة تعيين بن غفير في وزارة الأمن القومي، وأقر إقالة رئيس الشاباك رغم اعتراض المستشارة القضائية.

ولهذا كان قرار المحكمة العليا الذي نزل كالصاعقة على نتنياهو وحكومته بتجميد قرار إقالة رئيس الشاباك. وجاء في القرار الذي أصدرته القاضية، جيلا كانفي شتاينيتس، بتجميد إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، مما يعني أن هذه الإقالة لن تُطبّق في الموعد المقرر حتى صدور قرار آخر. وقررت القاضية شتاينيتس أنه سيتم تحديد موعد لنظر الالتماسات أمام اللجنة في أقرب وقت ممكن، في غضون نحو أسبوعين ونصف. وستقدم الحكومة ردا أوليا على الالتماسات حتى 72 ساعة قبل موعد جلسة الاستماع المقررة، فضلا عن الرد على طلبات الحصول على أمر مؤقت في غضون 3 أيام.

رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار Ronen Bar, the new chief of the Israel Security Agency, also known as "Shabak" or "Shin Bet", walks at an undisclosed location in central Israel on October 11, 2021. Israel's cabinet on October 11 gave final approval for Bar to become the next chief of the Shin Bet starting as of October 13. YOSSI ZELIGER / AFP

وكتبت المستشار القانونية غالي بهاراف مايارا رسالة إلى رئيس الوزراء جاء فيها: “بموجب قرار المحكمة العليا، يُحظر القيام بأي عمل من شأنه المساس بمكانة رئيس جهاز الشاباك رونين بار. يُحظر تعيين رئيس جديد لجهاز الشاباك، كما يُمنع إجراء مقابلات شخصية لشغل هذا المنصب. إضافةً إلى ذلك، سيتم استكمال المراجعة القانونية اللازمة بشأن قدرة رئيس الوزراء على معالجة هذه القضية، نظرًا للقلق من تضارب المصالح الناجم عن تحقيقات جهاز الأمن العام مع أشخاص موثوق بهم”.

وقد علق رئيس حركة جودة الحكم، التي كانت أحد مقدمي الالتماسات إلى المحكمة العليا، الدكتور إلياد شراغا، على قرار تجميد إقالة رئيس الشاباك قائلا: “خطوة أولى ومهمة في النضال من أجل حماية استقلال أجهزة إنفاذ القانون وحراسها في إسرائيل. سنواصل النضال بكل ما أوتينا من قوة ضد محاولات تقويض سيادة القانون”. أما رئيس نقابة المحامين عميت باخار فقال: “محكمة العدل العليا هي خط الدفاع الأخير لشعب إسرائيل ضد تدمير الهيكل الثالث”. “إنها أيام مظلمة، ولكن في النهاية، وبفضل تصميم ملايين الإسرائيليين، فإن الديمقراطية سوف تنتصر، وسوف تنتصر إسرائيل”.

وهنا يطرح السؤال: هل سيتحدى نتنياهو قرار المحكمة العليا بوقف احترازي لإقالة رئيس الشاباك والامتناع عن مناقشة تعيين بديل له؟

الحرب الأهلية

صحيح أن نتنياهو رد على المحذرين من حرب أهلية بأنها لن تقع وقال: “لن تكون هناك حرب أهلية!”. “دولة إسرائيل هي دولة قانون، وبموجب القانون فإن الحكومة الإسرائيلية هي التي تقرر من سيكون رئيسا للشاباك. ومع ذلك نقلت “يديعوت” عنه قوله للوزراء: “هل يظن أحد أننا سنواصل العمل دون ثقة بسبب أمر قضائي؟ هذا لا يمكن أن يحدث، ولن يحدث”. وفي الوقت نفسه سمح نتنياهو لمقربيه بالتطاول على المحكمة وقرارها بل وتحديه. فزعيم الصهيونية الدينية، الوزير بتسلئيل سموتريتش، على نفس المنوال: “قضاة المحكمة العليا لن يديروا الحرب ولن يحددوا قادتها. نقطة على السطر”. أما وزير الاتصالات شلومو كرعي، ردا على أمر المحكمة العليا بتجميد إقالة رئيس الشاباك فقال: “القاضية المحترمة كانفي شتاينيتس، سوف ينهي رونين بار ولايته في 10 أبريل/نيسان أو قبل ذلك مع تعيين رئيس دائم للشاباك. ليس لديك أي سلطة قانونية للتدخل في هذا الأمر. وهذه من سلطة الحكومة وحدها. طلبك غير صالح. لقد انتهت القصة. “الشعب هو صاحب السيادة”.

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu and Israeli Finance Minister Bezalel Smotrich hold a news conference at the Prime Minister's office in Jerusalem, January 25, 2023. REUTERS/Ronen Zvulun/Pool

وفي نظر المعارضين وقادة الاحتجاجات فإن هذا هو المطلوب: إعادة التفويض للشعب عبر الكف عن الإجراءات الحالية والذهاب نحو انتخابات عامة جديدة. وأعلن قادة المعارضة والاحتجاجات أن الشعب سيبقى في الشوارع في تل بيب والقدس وكل المدن إلى أن يتقرر إرجاع التفويض للشعب. وثمة إجماع بين جميع قادة المعارضة على وجوب الوقوف في وجه حكومة نتنياهو وتحديه في الشارع وأمام القانون وفي الكنيست.

حكومة شريرة

وأيد رئيس الحزب الديمقراطي يائير جولان قرار القاضية قائلا: “إن أمر المحكمة العليا هو إنجاز مهم في النضال. إن تعبئة الجماهير فعالة، والنضال المدني الحازم ناجح. لقد أظهر رونين بار شجاعة كبيرة عندما وقف في وجه حكومة شريرة وخطيرة. سنواصل حملتنا من أجل الديمقراطية الإسرائيلية. “سنقاتل وسننتصر”.

ووجّه أكثر من 40 رئيس سلطة محلية رسالةً إلى نتنياهو يطالبون فيها بتأييد قرار المحكمة العليا. وجاء في الرسالة: “نحن، رؤساء السلطات والمدن والمجالس الإقليمية والمحلية، الموقعين أدناه، ندعو رئيس الوزراء إلى الإعلان فورًا عن تأييد الحكومة لقرار المحكمة العليا. نحن، رؤساء السلطات، سنقف في كل الأحوال إلى جانب القانون والمحكمة في دولة إسرائيل”.

كما دعت عدة جامعات الحكومة إلى احترام قرار المحكمة لعليا. وأعلنت إدارة جامعة رايخمان: “إن عدم احترام قرارات المحكمة العليا يُقوّض شرعية الحكومة ويُسبّب أزمة دستورية تُهدّد وجود الدولة بحدّ ذاته. وتُعرب إدارة جامعة رايخمان عن قلقها العميق إزاء الأصوات الصادرة من داخل الحكومة الإسرائيلية الداعية إلى انتهاك قرارات المحكمة العليا”. وتعلن الإدارة أنه في حال توصل الحكومة إلى مثل هذه الأزمة الدستورية فإنها ستغلق الجامعة وتجري حوارا مع الطلاب بشأن إجراءات المقاومة في إطار القانون.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.