في ظل الأزمة الإنسانية والاقتصادية الخانقة التي يعاني منها اليمن، تتصاعد معاناة جرحى الجيش اليمني، الذين يطالبون بصرف رواتبهم المتوقفة منذ ما يقرب من خمسة أشهر. هذه القضية، التي أصبحت حديث الساعة في المحافظات اليمنية، خاصةً تعز ومأرب، تلقي الضوء على التحديات الهائلة التي تواجهها الحكومة الشرعية في التعامل مع الأزمة المالية وتلبية احتياجات أبناء الوطن المصابين في الدفاع عنه.
تصاعد الاحتجاجات في تعز ومأرب
شهدت مدينتا تعز ومأرب خلال الأيام الماضية مظاهرات حاشدة لجرحى الجيش الوطني، تعبيراً عن استيائهم العارم من استمرار انقطاع الرواتب وتجاهل معاناتهم. ورفع المتظاهرون لافتات منددة بالوضع الراهن، مطالبين بتحقيق العدالة والإنصاف.
وقد أقدم أحد الجرحى في تعز، الذي فقد أطرافه، على حرق طرفه الصناعي خلال الاحتجاج، في خطوة مؤثرة تهدف إلى جذب انتباه الرأي العام ووسائل الإعلام إلى قضيتهم الإنسانية. هذه الواقعة المؤلمة تعكس عمق اليأس والإحباط الذي يعيشه هؤلاء الأبطال. بالإضافة إلى ذلك، قام جرحى الجيش بإغلاق مقر مصلحة الجوازات في تعز احتجاجاً على هذا الإهمال، مطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية.
وفي مأرب، واصل العشرات من جرحى الجيش اعتصامهم المفتوح أمام دار الرعاية الاجتماعية بوزارة الدفاع، للمطالبة بحقوقهم المسلوبة، وتوفير حياة كريمة لهم ولأسرهم.
قضية رأي عام وتفاعل مجتمعي
لم تقتصر هذه الاحتجاجات على حدود المدينتين، بل تحولت إلى قضية رأي عام واسعة النطاق، جرت مناقشتها بكثافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد عبّر العديد من الناشطين عن تعاطفهم وتضامنهم مع جرحى الجيش، ونشروا صوراً ومقاطع فيديو تظهر معاناتهم وتدهور أوضاعهم الصحية.
الجرحى اليمنيون يمثلون شريحة مهمشة من المجتمع، تستحق كل الدعم والتقدير. وقد أعلنت نقابة المحامين اليمنيين في مأرب عن تشكيل فريق قانوني لتقديم العون القضائي للجرحى، ومساندة مطالبهم أمام الجهات الرسمية والقضائية.
وتقدر رابطة الجرحى في تعز عدد الجرحى جراء الحرب في اليمن بحوالي 21 ألف جريح، منهم 16 ألف عسكري أصيبوا خلال السنوات العشر الماضية في مواجهات ضد مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين).
صعوبة الحياة وغياب العدالة
يشكو جرحى الجيش من أوضاعهم الصعبة للغاية، والتي تتفاقم بسبب الإهمال وغياب المتابعة من قبل الجهات المختصة. يقول عبد الناصر قائد، أحد الجرحى، وأصيب بشلل نصفي نتيجة رصاصة قناص حوثية عام 2017، إن الراتب المتأخر لا يغطي سوى جزءاً يسيراً من احتياجاتهم اليومية.
ويواجه العديد من الجرحى مشاكل صحية خطيرة، مثل التقرحات المتكررة، دون الحصول على العلاج والرعاية اللازمة. كما يشكون من تأخر وصول الأدوية والمستلزمات الطبية لأشهر، مما يؤدي إلى تعقيد وضعهم الصحي والنفسي.
ويضيف قائد بأسى أن هناك غياباً للعدالة في الترقيات داخل صفوف الجيش، حيث يتم منحها بناءً على الوساطات، بينما يتم تجاهل الجرحى الذين ضحوا بأطرافهم من أجل الوطن.
مطالب ملحة وحلول ضرورية
يرى رئيس الدائرة الإعلامية لرابطة الجرحى في تعز، ماهر هادي، أن الاحتجاجات الحالية تأتي نتيجة لعدم إعطاء قضية الجرحى الأولوية التي تستحقها من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية. ويتهم هادي بعض أعضاء مجلس القيادة بتشكيل مكونات عسكرية خاصة على حساب الجيش الوطني.
وتتمثل أبرز مطالب الجرحى في:
- صرف الرواتب المتأخرة بشكل عاجل وزيادتها لتأمين حياة كريمة لهم ولأسرهم.
- إنشاء “الهيئة الوطنية لرعاية أسر الشهداء والجرحى” كما تم الإعلان عنها سابقاً.
- تخصيص ميزانية ثابتة لعلاج الجرحى في الداخل.
- توفير التكاليف اللازمة لسفر الحالات التي تحتاج إلى علاج في الخارج.
- إقامة مدينة سكنية خاصة بالجرحى، لتوفير مأوى آمن لهم، خاصةً أولئك الذين يعانون من إصابات خطيرة أو النازحين.
أزمة مالية وتحديات مستمرة
لم تصدر الحكومة اليمنية حتى الآن أي بيان رسمي حول الاحتجاجات، لكنها أكدت في السابق حرصها على الاهتمام بالجرحى. وفي الوقت نفسه، اشتكت الحكومة من أزمة مالية خانقة، أدت إلى توقف تصدير النفط لمدة ثلاث سنوات بسبب تداعيات الصراع.
العقيد عبد الباسط البحر، نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي في “محور تعز العسكري”، يؤكد أن الجرحى يعانون من انقطاع الرواتب مثل باقي أفراد الجيش. ويوضح أن الجرحى يمثلون قوة ضعيفة، يصعب السيطرة عليها بالقانون العسكري، وأن لهم الحق في الاحتجاج للمطالبة بحقوقهم.
ويشير البحر إلى أن الجندي في تعز يتقاضى راتباً لا يتجاوز 35 دولاراً، وهو مبلغ غير كافٍ لتلبية أبسط متطلبات الحياة. كما يلفت إلى أن هناك عدم مساواة بين جرحى تعز ونظرائهم في المناطق الأخرى، الذين يتلقون رواتب أعلى.
“مؤامرة” تستهدف تعز
هناك اتهامات بوجود ما وصفه ضابط في الجيش الوطني بـ “مؤامرة مستمرة” تستهدف تعز من خلال حرمان الجيش من الرواتب والأسلحة النوعية، ومنع وصول الحصص الغذائية والوقود. (الضابط فضل عدم الكشف عن اسمه).
وفي الختام، يبقى الوضع المأساوي لجرحى الجيش اليمني، خاصة في محافظة تعز، صدى مؤلماً لحرب طاحنة أنهكت البلاد. يتطلب حل هذه الأزمة جهوداً مضاعفة من الحكومة اليمنية والجهات المعنية، لتوفير الدعم والرعاية اللازمة لهؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأغلى ما يملكون من أجل الوطن. إن الاهتمام بقضية حقوق الجرحى اليمنيين ليس مجرد التزام إنساني، بل هو واجب وطني تجاه من يستحقون التقدير والإكبار. نأمل أن تجد هذه المناشدات صدى لدى المسؤولين، وأن يتم اتخاذ خطوات جادة وعاجلة لتخفيف معاناة هؤلاء الأبطال.















