بيروت- بفعل تصاعد موجة لجوء جديدة، عاد ملف السوريين إلى صدارة المشهد في لبنان، ولا يمر يوم بلا إطلاق سيل من المواقف السياسية والرسمية، بعدما تحول هذا الملف إلى مادة دسمة ومحورية.

ومنذ أشهر، يتدفق آلاف السوريين عبر المعابر البرية غير النظامية على طول الحدود الشمالية والشمالية الشرقية بين لبنان وسوريا، حيث ينشط مهربون لبنانيون وسوريون.

ويُطلق على عابري هذه المناطق اسم “اللاجئين الاقتصاديين”، للإشارة بأن معظمهم يدخل لبنان للعمل وللحصول على المساعدات الأممية وحملها لسوريا، وليس لدواعٍ أمنية. بينما يرى حقوقيون أن الوضع الأمني والاقتصادي في سوريا هو السبب الأساسي لتهجير أهلها.

لبنان وتحدي اللاجئين

  • دوليا: مطالب لبنان بإعادة اللاجئين إلى بلادهم أو مدّه بالمساعدات لم تلقَ صدى إيجابيا لدى المجتمع الدولي، وكان وزير الخارجية عبد الله أبو حبيب صرّح، بعد عودته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن “المجتمع الدولي اتخذ قرارا بعدم عودة السوريين”.
  • حكوميا ورسميا: تبدو حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن التفاهم مع الدولة السورية، بعد فشل مساعٍ عديدة بإرسال وفد وزاري لدمشق، ونتيجة الخلافات داخل الحكومة.
  • حدوديا: يبدو أن الجيش اللبناني عاجز عن بسط كامل سيطرته على المعابر البرية غير الشرعية.

تهريب ميسّر ودعوات لوقف المساعدات

من ناحيتها، لم تبدِ دمشق موقفا رسميا حول استعدادها لاستقبال السوريين العائدين وحمايتهم. ويرى مراقبون أن النظام يتحمل مسؤولية انخراط عناصر من “الفرقة الرابعة” التابعة للجيش السوري عند الحدود، بتسهيل عمليات التهريب، مقابل الإتاوات والرِشا.

وبلغ التصعيد السياسي ذروته، مع تحميل أمين عام حزب الله حسن نصرالله واشنطن مسؤولية تدفق اللاجئين السوريين، نتيجة الحصار المفروض على سوريا بعقوبات قانون “قيصر”، داعيا الحكومة اللبنانية إلى “السماح لمن يرغب من اللاجئين في الاتجاه لأوروبا، بسفن مجهزة بدل تركهم لقوارب الموت، حتى تأتي الدول الأوروبية خاضعة إلى بيروت لتقول: ماذا تريدون لإيقاف هذه الهجرة”، حسب قوله.

من جهتهم، دعا نواب من حزب القوات اللبنانية لوقف المساعدات الأممية للسوريين، ولإغلاق مكاتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان.

وقائع النزوح

بصورة شبه دورية، يعلن الجيش اللبناني القبض على مئات السوريين عند الحدود، ويرحلهم للنقطة التي جاؤوا منها، تنفيذا لقرار مجلس الدفاع الأعلى الصادر في أبريل/نيسان 2019.

وردا على استفسار من الجزيرة نت، تقول المفوضية الأممية إنها “على علم بتقارير تتحدث عن زيادة عدد دخول السوريين إلى لبنان”.

ووفق ردها “لا تستطيع المفوضية الوصول إلى الحدود ولا تديرها، لكنها تتبعت الزيادة بعدد عمليات التصدّي والترحيل على الحدود الأشهر الماضية، وتحديدا الحدود الشمالية، كما أنها على علم بالمداهمات المتزايدة بسهل البقاع”.

وتضيف “نشدّد على أن الوصول للأمان حجر الزاوية بحماية اللاجئين، ونواصل العمل مع الحكومة اللبنانية بشأن الحماية من الإعادة القسرية للذين يحتاجون الحماية الدولية من الموجودين على أراضيها أو على الحدود”.

تقنيا، توجد لدى الجيش على طول الحدود نحو 4 أفواج من قوات الحدود البرية، ولا يتجاوز إجمالي عناصره المنتشرة 7 آلاف عنصر، ويعمل ميدانيا نحو نصف العدد بسبب الأذونات وعمليات الفرز.

كما يوجد على طول الحدود نحو 32 برج مراقبة للجيش، ويعتمد أيضا على السواتر والكمائن لتتبع حركة المهربين واللاجئين.

ووصف قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، مؤخرا، قضية النزوح بـ”الخطر الوجودي” على لبنان، وتحدّث عن حاجة الجيش الكبيرة للدعم اللوجستي والتجهيزي والعسكري لضبط الحدود.

وتعد منطقة وادي خالد الحدودية شمالي لبنان، ومنطقتي البقاع وبعلبك الهرمل في سلسلة جبال لبنان الشرقية، من أكثر المساحات الجغرافيا النشطة لشبكات التهريب عبر معابرها.

بين بعلبك ووادي خالد

وفي حديث للجزيرة نت، يقول رئيس بلدية العماير بوادي خالد أحمد الشيخ إن مئات السوريين يدخلون يوميا عبر المعابر، وإن تراجعت الوتيرة الأيام الماضية، بسبب العمليات الأمنية للجيش.

وحسب معاينته الميدانية، يوضح الشيخ أن الدافع الاقتصادي هو المحرك الأساسي لموجة اللجوء، ويتحدث عن انخراط عشرات الشبان اللبنانيين بمنطقته بعمليات السمسرة والتهريب، وعلى خطوط النقل بين لبنان وسوريا، بسبب البطالة التي تعم المنطقة.

ويقول الشيخ إن “وادي خالد انتعش اقتصاديا مع تصاعد النزوح السوري، لأنه بمثابة محطة عبور للسوريين الذين يتجهون إلى مناطق لبنانية أخرى”.

لكن محافظ بعلبك بشير خضر أنذر مما يسميها “موجة اللجوء الخطيرة”. وقال للجزيرة نت “حسب إحصاءاتنا الحديثة، بلغ عدد السوريين أكثر من 315 ألف لاجئ، بينما عدد اللبنانيين بالمنطقة لا يتجاوز 250 ألفا”.

ويشكو لبنان من عدم وجود أرقام رسمية لحصيلة السوريين النهائية. والعام الماضي، قدّر الأمن العام اللبناني عدد السوريين بمليونين و80 ألفا، معظمهم لا يملك أوراقا نظامية، ويوجد نحو 3100 مخيم عشوائي، ولدى مفوضية اللاجئين نحو 795 ألفا و322 مسجلا فقط.

وتقول المفوضية إن الأزمة الاقتصادية التي أفقدت الليرة اللبنانية نحو 95% من قيمتها، ضاعفت معاناة اللاجئين، وأصبح 90% منهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

لكن محافظ بعلبك يضيف أن واقع اللجوء يشكل أزمة اجتماعية وديمغرافية وضغطا هائلا على البنية التحتية، مشيرا إلى أن بعض الشقق السكنية تضم أكثر من أسرة سورية.

ويقول “منذ بداية العام، أوقف الجيش أكثر من 25 ألف سوري دخلوا خلسة، لذلك تقوم وزارة الداخلية، بتشديد تطبيق القانون اللبناني على السوريين، لجهة الإقامات وعقود العمل وقمع شتى أشكال المخالفات”.

Members of a terrorist group planning suicide bombings detained in Lebanon

خلفيات وتداعيات

من ناحيتها، ترى الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بو منصف أن الانهيار الاقتصادي بسوريا هو المحرك الأساسي لحركة اللجوء نحو لبنان، لأن حدوده الأكثر هشاشة. وتقول للجزيرة نت إن لبنان غير قادر على تحمل هذا الواقع الذي عزز الحساسيات ديمغرافيا وطائفيا وسياسيا.

كما تعتبر أن الحل يبدأ وينتهي عند النظام السوري الذي يستفيد من واقع اللجوء للضغط على المجتمع الدولي لرفع الحصار، بعدما لمس تراجع الحماسة بالانفتاح عليه.

وتضيف أن “النظام لم يسدد المطلوب منه دوليا، بملفات اللجوء وتصدير الكابتاغون والحل السياسي بسوريا”.

وقالت إن لبنان الرسمي أخفق في وضع إستراتيجية وطنية للتعامل مع اللجوء السوري، وإن المجتمع الدولي تجاوز مرحلة الرضوخ لمطالبه في ظل الشلل والشغور الرئاسي ووجود حكومة منقوصة الصلاحيات.

وتابعت بو منصف “سيبقى الوضع على حاله مع تصاعد المزايدات السياسية، ما دام أن الدول الأوروبية تريد حماية نفسها من تدفق اللاجئين بحرا، وما دام أن واشنطن لا ترغب في رفع الحصار عن سوريا، وما دام أن النظام يواصل ابتزازه السياسي دوليا ولا يهدي لبنان ورقة إغلاق الحدود البرية بوجه اللاجئين”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.